قبل سنوات بعيدة، قبل أن يغزونا سيل الفضائيات وتزدحم سماء الإعلام بالكثير من الغث، كنا نبحث عن قنوات «ديسكفري» وننتظر جديدها، فيبهرنا ذلك العالم الذي تنقله لنا ونحلم معها كثيراً في عالم الاختراعات والاكتشافات والعلوم والعباقرة، وكان موضوع الطاقة ومحاولات توليدها من الشمس واحد من أكثر الموضوعات التي شدّتنا وجعلتنا نترقب جديد تلك المحطات المشفّرة... فلماذا الشمس؟ ولماذا الطاقة المتجددة؟ لأننا ببساطة نعيش في بلدان تحرقها الشمس شتاءً وصيفاً، كل شيء عندنا له نهايات إلا هذه الحارقة وهذه الرمال الملتهبة. مثل تلك الاختراعات وبدايات التجارب كانت تقول لنا: إن عندكم طاقة قد تكون أهم وأبقى من النفط، لذلك كنا نتابع ونحلم وننتظر جديد اختراعاتهم. وفي المدارس والجامعات، وبعد ذلك في المؤتمرات وقرارات اجتماعات منظمات الدول العربية، كنا ندرس ونسمع في مراحل أعمارنا المختلفة عن حقب ستأتي علينا سينضب فيها البترول، وعن أهمية البحث عن البدائل وأهمية استثمار الشمس والرمال والرياح ومياه البحر لتوليد الطاقة، وعن ضرورة دعم العلوم والاختراعات ودعم الخبرات والمختبرات العربية، وكنا نتشكك كثيراً في أن الذي نقرأه ونسمعه قد يتحقق يوماً في بلداننا العربية... لكن لماذا ذلك الظن الآثم كان يسيطر علينا دوماً؟! لأن منظماتنا ومعظم أنظمة الدولة العربية لم تستطع أن تحقق الحد الأدنى من مستوى الحياة الكريمة لمواطنيها، أقل كثيراً من تلك الخيالات الوردية التي ستخترع يوماً، وهو أن يعيش محترماً مستقراً متعلماً، فكيف له أن يتوقع تنفيذ مثل تلك القرارات والتوصيات والنظريات؟! كانت تلك أوهام وخسائر وملفات مصيرها التلف إذ هي مجرد ثرثرة للاستهلاك، وما كانت سوى شعارات أثبتت الأيام أن تلك الأنظمة خدرت بها الشعوب واستهلكت الكثير من طاقاتها وأوقاتها وأحلامها، وجرتها نحو ضباب الانتظار والتمني أزمنة طويلة. بلدان قليلة سارت في طريق مختلف، اختارت مسار البناء والجد على مسار الشعارات واختلاق العراقيل واصطناع الصعاب. دولة مثل الإمارات اهتمت بتنمية الإنسان واستثمار الثروات وبناء المستقبل، وحلم الطاقة المتجددة كان واحداً من خياراتها واهتماماتها، لم تنتظر أن تأتِ لها التكنولوجيا الجديدة أو من يخترع لها احتياجها يوماً، هي التي ذهبت، بادرت وخططت، وجاءت مشاريع الطاقة المتجددة التي تبنتها الحكومة من خلال استراتيجيات وبرامج واتفاقات وتعاقدات وتأسيس شركات ومعاهد متخصصة لتزيد قناعة العالم وإنسان هذا الوطن بأن هذه الدولة لديها التزام وجدية، وعندها إرادة أن تستثمر وتبادر وتطور وتصنع آفاق مستقبل أكثر تطوراً وتقنية، عندها جرأة المبادرة وطموح النجاح والتطور، وتحرص أن تكون في المقدمة، صانعةً ومبتكرةً. تسعى بثقة لقيادة العالم نحو ذلك التطور، ولأن تكون لها بصمة ووجود في العالم الجديد. ومشروع «شمس1» الذي حرص صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله على تدشينه، هو أحد إنجازات هذه الرؤية الطموحة، حيث أعلن صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان حفظه الله من خلاله انطلاق مرحلة جديدة في مسيرة بناء مستقبل هذا الوطن، وهي كذلك مرحلة مهمة في تاريخ العلوم والمخترعات تأخذ مجالات الاستكشاف والتجارب وتوليد الطاقة إلى مرتبة عملية أخرى وخطوة متقدمة يترقبها العالم وسيتابعها باهتمام. والجديد الذي قدمته الإمارات في هذا المشروع الرائد، هو أنه لم يكن مجرد إعلان عن بداية التجريب والاستعداد للعمل والانطلاق، بل هذه مرحلة تخطيناها، فالمشروع عمره اليوم ثلاث سنوات، وقد مرّ بهذه المراحل دون أن يشغلنا بالعقبات والتعقيدات التي مر عليها، إنه اليوم جاهز فعلياً وقد بدأ تزويد شبكات الكهرباء بالطاقة، لتكون بذلك «شمس1» أول محطة من نوعها للطاقة الشمسية في الشرق الأوسط والأضخم عالمياً، إذ ستغذي 20 ألف منزل. واحدٌ من أهم المكتسبات الاستراتيجية التي حققها مشروع «شمس1» للإمارات والمنطقة عموماً، هو ما أشار إليه الفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة من أننا «لم نعد مستوردين للتكنولوجيا وإنما أصبحنا شركاء في صنعها وابتكارها». والمستقبل خصب وواعد، كما يقول الرئيس التنفيذي لشركة «توتال» الفرنسية، الجهة الشريكة في هذا المشروع، فـ«منطقة الشرق الأوسط تمتلك نحو نصف القدرات العالمية في مجال الطاقة المتجددة». هذا المشروع كما أكد وزير الدولة معالي الدكتور سلطان أحمد الجابر، الرئيس التنفيذي لشركة «مصدر»، اشتغلت عليه 137 شركة وطنية قامت بتزويده بكافة المنتجات اللازمة لمراحل الإنشاء والتأسيس «أكثر من نصفها لم يكن له نشاط يذكر في السوق»، فخلق بذلك قطاعات اقتصادية جديدة ومستمرة، كما أنه، وهو الأهم، حقق نسبة توطين بلغت 30 في المئة، ما يعني وجود كفاءات بشرية أسست وطورت وتطورت، وهذا هو التحدي الأهم والأصعب، أي الاستثمار في إنسان هذا الوطن. وفي لحظة إطلاق هذا الحدث الهام بالنسبة للإمارات وأيضاً للعالم ولمستقبل الطاقة والعلم عموماً، كان صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، يسجل واقعة تاريخية في نظام إعلان تشكيل مجلس الوزراء ومراسم أداء اليمين الدستورية، حيث اختار سموه أن يحضروا ويؤدوا القسم أمام صاحب السمو رئيس الدولة حفظه الله في هذا اليوم التاريخي، وفي هذا المكان العلَم. وقبل ذلك بأيام قرأ العالمُ خبرَ التشكيل الجديد فجأة من دون تسريبات أو تخمينات، الجميع اطّلع على القرار في اللحظة نفسها من خلال فضاء إعلام «تويتر»، وهي سابقةٌ أعطى سموه من خلالها مزيداً من الثقة والدعم لعصر الإعلام الاجتماعي. الوزراء الجدد وما يحملونه من خبرات سابقة، ونجاحات حققوها في مراكز مختلفة، واللحظة التاريخية التي أدوا فيها القسم، وانطلاق «شمس1»، جميعها مرتكزات لمرحلة عمل جديدة في مسيرة بناء هذا الوطن، حيث ندخل المستقبل الذي سبق أن خططنا له منذ سنوات بعيدة، ندخله بخطى ثابتة، كلنا ثقة وطموح وأحلام وأمنيات.