حسناً فعلت دولة الإمارات العربية المتحدة ببناء خط أنابيب لتصدير نسبة كبيرة من نفطها عبر خليج عمان فالمحيط الهندي، فهي بذلك وفرت على نفسها خطر قيام إيران بإغلاق مضيق هرمز، وأوصلت رسالة سلام للشعوب الإيرانية: نحن على استعداد لبذل كافة الجهود والعمل بكافة الطرق السلمية لتحاشي الصدام والحرب معكم، وها نحن نتحاشى مضيق هرمز ونصدر نفطنا عبر المحيط رغم إيماننا بأن المضيق ممر دولي لا يملكه أحد. الخط البترولي طوله 360 كيلومتراً ويحمل مليوناً ونصف مليون برميل يومياً أي ما يعادل ثلث الكمية التي تصدرها الإمارات تقريباً. حدثني مسؤول إماراتي رفيع المستوى بأن خط أنابيب أبوظبي الفجيرة لن يمنع إيران -في حالة الحرب لا سمح الله- من الاعتداء على مؤسسات صناعتنا البترولية، لأن إيران إن فكرت بضرب تجارة النفط العالمي أو النفط الخليجي والإماراتي من ضمنها فإنها ستضرب منابعه وآباره وليس مصباته وموانئ تصديره فقط، وهذا شيء نعيه وندركه، ولكننا نتحاشى المواجهة مع إيران، رفقاً بالعلاقات التاريخية مع شعوبها، ولإيماننا أن إيران مشكلة دولية وليست عربية خليجية وحسب. انتهى كلام المسؤول الخليجي. تكلفة الخط الإماراتي الجديد حوالي 3,3 بليون دولار، وهي تكلفة تعكس حرص الإمارات والخليج على أنها مستعدة للذهاب لأقصى مدى من أجل السلام والاستقرار في المنطقة، وبأنها تحرص على توفير خدمة عملائها للنفط بالعالم بأقل قدر ممكن من التعقيد والمشاكل. وتعكس سياسة حسن الجوار والتفكير البعيد المدى في حالة نشوب حرب بين المجتمع الدولي وإيران، وهي مواجهة أكثر من محتملة، بل إن بعض المراقبين يرى أنها حتمية ستنفجر ولكنها تنتظر التوقيت المناسب. الخطوة الإماراتية جديرة بالدراسة وربما النسخ بصور مختلفة من قبل باقي دول الخليج، حيث توجد مصبات وموانئ خليجية على البحر الأحمر وبحر العرب، فميناء صلالة على سبيل المثال يبعد ألف كيلومتر جنوب غرب العاصمة مسقط ويقع على بحر العرب، وموانئ عمانية وسعودية يمكن أن تكون منفذاً لتصدير النفط الخليجي. إيران، تهدد على لسان جهات متفرقة بأنها ستغلق المضيق في حال تعرضت للهجوم مرة، وفي حال تعرضت مصالحها للضرر مرة أخرى، وهكذا، وهي تصريحات تتفاوت انعكاساً لحالة توزع مراكز القوى ومصالحها المتضاربة هناك، فالعقوبات الدولية المفروضة على إيران خلقت حالة اقتصادية متردية داخل إيران، واستمرارها -وهو مؤكد على المدى المتوسط- سيعمق الأزمة الداخلية الإيرانية، وهو ما تعمل إيران على تصديره وتخفيف الضغط على النظام منه بتهديد الآخرين وتوتير المنطقة، صحيح أن المضيق ممر دولي يخضع لقانون البحار، وهو ممر لبضائع تحملها سفن تجارية من مناطق مختلفة بالعالم، ولكن الأمر في هذه الحالة قضية دولية، وتأمين طرق الملاحة الدولية يفرضها المجتمع الدولي وليست دول الخليج وحسب. الخطوة الإماراتية تذكرني بالمثل الشعبي "خلوا قنيبر على شداده"، وقصته أن قنيبر ركب بعيره على شداد مذهّب وغالي الثمن (والشداد هو ما يوضع للراكب فوق البعير)، وسار بالصحراء فاعترض طريقه جماعة استدان منهم ولم يستطع أن يوفي دينه، خيروه: لك البعير أو الشداد، فاختار الشداد لأنه غالي الثمن، وأخذوا البعير وبقي قنيبر جالساً على شداده بالصحراء بلا حراك لأن البعير الذي يحمل الشداد أخذه الديّانة، وإذا ما نجحت دول الخليج في إيجاد مخارج لبيع نفطها عبر موانئ تتحاشى مضيق هرمز، فإن إيران ساعتها يصدق عليها مثل "قنيبر وشداده"، ستهدد المضيق وقد تقدر على إغلاقه ولو لفترة قصيرة لكنها ستغلق ممراً مائياً لم يعد شرياناً للنفط والطاقة الدولية.