روسيا تعمل لمصلحة الشعب السوري، وحتى لا تقوم حرب أهلية بين طوائفه ومكوناته ، كما أن الموقف الروسي تجاه سوريا ضمان لاستقرار وأمن المنطقة، حيث إن روسيا تعمل على الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين ، وليس لروسيا مصلحة في بقاء النظام أو زواله وإنما يهمها الشعب السوري! هكذا تحدث أحدهم في برنامج تلفزيوني دار الحوار فيه حول الثورة السورية. وحين أتى السؤال حول دور دول الخليج العربي فيما يجري في سوريا، أجاب المتحدث بأن هذه الدول تعمل على تغيير النظام السوري لأنه نظام "مقاوم"، ولأن هذه الدول تبحث عن مصالحها في سوريا. فهل ما يقوله المتحدث يعبر عن موقف كلا الطرفين؟ وهل روسيا تعمل لاستقرار سوريا وأمن شعبها أم أنها تعمل على تحقيق مصالحها في المنطقة؟ الواقع يشير إلى أن الموقف الروسي مما يحدث في سوريا يصب في صميم المصالح الروسية، فموسكو تلعب دوراً كبيراً في ملف الثورة السورية لأغراض خاصة بها ولا علاقة لها بالدفاع عن الشعب أو حتى النظام السوري، فسوريا بالنسبة لها هي آخر المعاقل الموالية وسقوطها يعني نهاية النفوذ الروسي في الشرق الأوسط منذ العهد السوفييتي، حيث تعتبر روسيا الصراع على سوريا صراع نفوذ مع الغرب، وتستخدم روسيا ذلك لتعزيز موقفها التفاوضي مع أوروبا وأميركا بشأن الدرع الصاروخية للحلف الأطلسي في أوروبا. وقد بدى ذلك واضحاً في المحادثات بين روسيا والدول الغربية حيث تستخدم روسيا الورقة السورية لانتزاع أكبر قدر ممكن من التنازلات من الغرب مقابل إعطاء أي تنازل تجاه ما يحدث في سوريا، وكان آخرها تصريح "أناتولي أنتونوف " نائب وزير الدفاع الروسي حول موضوع الدرع الصاروخية. وعلى الرغم من أن روسيا لا تربط الأمر مباشرة بذلك، لكنها تثير المسألة كلما لمح الغرب بالتدخل العسكري في سوريا، وإلى جانب هذا الموقف، فإن سوريا هي السوق الوحيدة الباقية للسلاح الروسي في الدول العربية بعد أن سقط نظام القذافي. ولايمكن لروسيا أن تفرط بهذا السوق حتى في ظل الأوضاع القلقة في سوريا، فالأنباء تتحدث عن توالي السفن الروسية التي تنقل العتاد الحربي للجيش السوري وحين يتم الاعتراض على ذلك ترد روسيا بأنه لا يوجد قرار من مجلس الأمن يمنع تصدير السلاح لسوريا! مقابل ذلك، فإن الدول الغربية لا ترغب في تقديم أي شيء لروسيا ولن تقدم تنازلات لها ما لم يتم الاتفاق على "توزيع" هذه المصالح في صورة لـ "سايكس بيكو" جديدة في المنطقة، تقوم على تقسيم المصالح دون الحضور على الأرض! ولا يتوقف الأمر عند ذلك، فهناك صراع أوروبي- روسي بشأن توريد الغاز من روسيا التي " تُدخل" أوروبا كل شتاء في أزمة بسبب الغاز الذي تصدره إلى كثير من الدول الأوروبية و"تتلكأ" بموقف أوكرانيا التي تمر أنابيب الغاز في أراضيها ولا تسدد كثيراً من التزاماتها مما يدفع روسيا إلى توقف أوتقليل تدفق الغاز ولذا فإن أوروبا تبحث عن مصادر للغاز في الشرق الأوسط عبر أنابيب تمر بسوريا وتركيا حتى تتخلص أو تخفف من التحكم الروسي في ذلك. وروسيا لا تريد لأنابيب الغاز أن تصل لأوروبا عبر سوريا حتى تبقى متحكمة فيه، ولذا فهي تقايض النظام السوري بموقفها منه ومساندتها له. وتأتي قضية التسهيلات التي تحصل عليها قطع الأسطول الحربي الروسي في الموانئ السورية كجزء من المصالح الروسية، وأيضاً كسبب آخر للموقف الروسي تجاه ما يجري الآن في سوريا. فروسيا تفتقر لموانئ في المياه الدافئة، وميناء طرطوس السوري هو الميناء الوحيد الباقي للسفن الحربية الروسية في البحر الأبيض المتوسط الذي تستطيع السفن الحربية الروسية أن ترسو فيه وسقوط النظام السوري يعني حرمانها من ذلك. وبالإضافة إلى ذلك، فقد استخدم الرئيس الروسي الموقف من سوريا في الداخل الروسي، حيث إنه بموقفه هذا أثار في الروس نزعة "الإمبراطورية"، التي فقدوها بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، ولذا فهو يحرك فيهم "لواعج" العظمة بعودة روسيا كلاعب أساسي على الساحة الدولية، ولذا فإن موسكو تريد إعادة دورها الدولي من خلال البحث عن تحالفات دولية مع الصين وإيران وبعض دول أميركا الجنوبية، وهي تستخدم الورقة السورية لبناء مثل هذا التحالف أو التكتل الذي لا يأخذ الصورة الرسمية للتحالفات، لكنه يتشكل من خلال المواقف السياسية تجاه القضايا الدولية من خلال الوسائل المتاحة التي كان من أبرزها استخدام الفيتو في مجلس الأمن لأكثر من مرة وبصورة ثنائية بين روسيا والصين. روسيا لا يهمها بقاء النظام السوري أو مصلحة الشعب السوري ولن تغير روسيا موقفها من النظام السوري مالم تحصل على ضمانات من الغرب بحفظ مصالحها في المنطقة وإعطائها دوراً دولياً وإقليمياً، ولذا فمن الغباء السياسي أن يأتي "أحدهم " ليتحدث عن موقف روسي مساند للشعب السوري ، كما أن من الغباء إدخال دول الخليج العربي في محك الصراع على سوريا، فهذه الدول تقف إلى جانب الشعب السوري بعد ما رأى العالم دماء السوريين تسيل للأربعة عشر شهراً دون أن يرمش لنظامه جفن ، أما عن مصالح دول الخليج العربي في سوريا، فعلى القاري أن يقارن بينها وبين المصالح الروسية .. هل سيجد لها شبهاً؟!