يتفق أهل الخليج العربي- بصفة عامة- على أهمية الاتحاد بين دوله، فالاتحاد والوحدة من الرغائب الإنسانية الطبيعية التي تؤدي إلى تعزيز العلاقة بين المكونات كما تنشئ كياناً قوياً ذا إمكانيات قوية. وقد عبر الخليجيون عن رغبتهم تلك من خلال التوافق على مجلس التعاون الخليجي، على الرغم من تحفظ كثير منهم على إنجازاته، لكنه يبقى مؤسسة إقليمية تجمع الخليجيين في الحد الأدنى من العمل المشترك. ومن هنا كان تطلع أبناء المنطقة للانتقال إلى خطوة متقدمة من هذا العمل، فجاءت فكرة التحول من التعاون إلى الاتحاد. لكن الاجتماع التشاوري الأخير لقادة الدول أرجأ اتخاذ قرار بشأن الاتحاد لمرحلة قادمة يتم خلالها دراسة الفكرة بصورة أكثر تفصيلاً. والملاحظ أن أبناء الخليج العربي تقبلوا فكرة "الإرجاء" بصورة طبيعية، بل إن الحوارات التي دارت في وسائل الإعلام، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي تشير إلى أن أبناء المنطقة مع الاتحاد، ولكن على أسس واضحة ومبينة المعالم حتى لا تتكرر تجارب الوحدات العربية التي تنهار قبل أن تبدأ ! وفكرة بحجم الاتحاد الخليجي لا يمكن أن تمر دون دراسة متأنية لمكوناتها وجوانبها المختلفة، ولنا في التجربة الاتحادية في الإمارات صورة واضحة فقد استمرت المباحثات حول الاتحاد والإعداد له ما يقرب من ثلاث سنوات (1968ـ 1971) حتى استكملت مقوماته العملية وطبيعته القانونية، فجاءت هذه التجربة ناضجة ومحققة لأهدافها، ولذا فإن فكرة الاتحاد الخليجي تحتاج إلى دراسة وافية لا تكون فيها رهينة الظروف المرحلية أو الأوضاع الإقليمية أو الدولية. وحتى لا يرتبط وجود الاتحاد واستمراره بهذه الأوضاع، ولعل في المقدمة دراسة الطبيعة القانونية للاتحاد، فعلى الرغم من أن صيغة الاتحاد الكونفدرالي هي الصيغة المتداولة إلا أن التحول من حالة "التعاون" إلى حالة "الاتحاد" يحتاج إلى صيغىة قانونية جديدة تختلف عما كان عليه مجلس التعاون الخليجي الذي كان أقرب إلى"التنسيق" منه إلى الارتباط الاتحادي. وإذا كانت مقدمة النظام الأساسي للمجلس قد نصت على فكرة الوحدة، كما نصت على ذلك الفقرة الأولى من المادة الرابعة حين قالت "تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها"، إلا أن هذا النص لم يتم تفعيله خلال السنوات الماضية، كما أنه مازال نصاً "رغائبياً" يتكلم عن رغبات لا عن إجراءات عملية، ولذا فإن الطبيعة القانونية للمشروع القادم لابد من تحديدها قبل الدخول في الإجراءات التفصيلية لفكرة الاتحاد خاصة عند التعامل مع دول لها دساتيرها وأنظمتها. وإلى جانب ذلك فإننا بحاجة لحل المشكلات العالقة بين بعض الدول، فعلى الرغم من العلاقات المتميزة بين الدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، فإن هناك بعض المشكلات التي مازالت معلقة بين هذه الدول وفي مقدمتها الخلافات الحدودية التي لم تحسم خلال مرحلة المجلس والتحول إلى الاتحاد في ظل وجود هذه الخلافات قد يشكل "شوكة" في مسيرته، إن أي تحول لنظام جديد يتطلب أن تكون جميع أطرافه على علاقة جيدة فيما بينها، لأن إقامة أي تكتل مع وجود مشكلات داخل بنيته التكوينية تؤدي إلى تفتت التكتل، وفي أحسن الأحوال إعاقة سيره وتعطيل أعماله، وإلى جانب المشكلات التي أعاقت تطبيق قرارات المجلس، فهناك عدد من القرارات التي أصدرها مجلس التعاون الخليجي لم تأخذ طريقها إلى التطبيق بسبب مواقف بعض الدول أو ترددها في ذلك، وهذا يتطلب دراسةً لأسباب التعطيل حتى لا تتكرر تجربة المجلس مع الاتحاد، لقد أصدر مجلس التعاون مجموعة من القوانين والأنظمة والقرارات التي تشكل بنية تصلح للبناء عليها، لكن هذه الأنظمة بقيت "استرشادية"، ولم تأخذ طريقها للتطبيق، ونخشى أن لا يكون حال الاتحاد أفضل من حال المجلس في ذلك. أما الأمر الآخر الذي لابد من ملاحظته، فهوالاختلاف في بعض المواقف والسياسات الداخلية والخارجية لكل دولة، وذلك أمر طبيعي في حالة المجلس. أما في مرحلة الاتحاد سواء كان فيدرالياً أم كونفيدرالياً، فإن الموقف يختلف، إذ لا تصح معه حالة "الحد الأدنى" من التنسيق، بل لابد من تطابق المواقف أو تقاربها إلى حد بعيد، وخاصة في الشأن الاتحادي كالقضايا الخارجية والعسكرية والسياسات الاقتصادية. ولعل تجربة مجلس التعاون في مسأل العملة الخليجية تشير إلى حجم الاختلاف في الرؤى بين أعضاء المجلس. كل هذه الآراء لا تعني أن نضع "العصا في العجلة"، أمام فكرة الاتحاد، ونحن في الإمارات نشعر بقيمة الاتحاد وأثره على الفرد والمجتمع، وكثيراً ما نسأل أنفسنا ماذا نحن بدون الاتحاد؟! ولذا فالدعوة إلى الاتحاد، تبقى دعوة سامية تحتاج إلى أن يتم تنفيذها بالسُبل التي تحقق لها أهدافها وتحفظ لها استمرارها وتماسكها، فأن يتأخر قيام الاتحاد الخليجي خير من قيامه على أساس هش. د.سعيد حارب كاتب إماراتي drhareb@gmail.com