شغلت الصين الشعبية العالم منذ أواخر القرن العشرين، وأصبح الرهان متى سيتجاوز الاقتصاد الصيني منافسه الأول، الاقتصاد الأميركي؟ لكن الحديث عن "المعجزة الصينية" لا يتوقف كثيراً عند السؤال: "كيف استطاعت القيادة الشيوعية تحقيق هذه المعجزة، وما الثمن الذي دفعه الصينيون؟ لقد كثر الحديث عن الفساد والإفساد وانتشار الانتهاكات بحق الشعب الصيني تحت نظر وسمع القيادة الشيوعية. واليوم يعلم العالم بعض الإجابة على سؤال "المعجزة"، ففي الأسبوع الماضي أعلن الحزب الشيوعي الصيني فصل الرفيق "بو" (Bo xilio)، عضو المكتب السياسي واللجنة الدائمة للحزب، والنجم اللامع الذي كانت ترشحه بعض الأخبار لرئاسة جمهورية الصين ذات يوم، واعتقال زوجته وشقيقها وشقيقاتها وأزواجهن وعدد كبير من أعوانه. الصحفي الصيني الشيوعي الشجاع "جيان وايبنج"، وكان له فضل سابقاً في الكشف عن "دولة الرفيق بو"، عبر مقالات صحفية نشرها تحت اسم مستعار في صحيفة يومية في هونج كونج باللغة الماردينية. كان "وايبنج" قد بدأ الكتابة عن فساد الرفيق (الذي كان وقتها رئيساً لفرع الحزب وعمدة لمدينة صغيرة في شمال شرق الصين)، تحت اسم مستعار، لكن أجهزة الأمن استطاعت الوصول إليه وتعطيل حاسوبه بعد أن نشر أول أربعة مقالات من سلسلة المقالات التي جمعها ونشرها لاحقاً بعد أن منحته كندا حق اللجوء السياسي. أما الرفيق "بو" فصُعد من عمدة مدينة صغيرة إلى رئيس لفرع الحزب وعمدة لمدينة كبيرة في ساحل الصين الذي تحول إلى "سوق حر" للاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية. ومع مسؤولياته الجديدة، توسع فساده "بو" هو وزوجته وأخوها وأخواتها، لكنه ترقى ليصبح وزير التجارة الوطني، فتصادق مع رجل أعمال بريطاني اسمه "نيل هاي ود" الذي أصبح الوكيل المعتمد لدى بو. وتقدر بعض المصادر، حسب معلومات الصحفي الصيني الشجاع، أن عصابة "بو" و"نيل" قد حولت في الفترة بين 1990 و2008 أكثر من مائة وثلاثة وعشرين مليون دولار. لكن السمسار "نيل" اختلف مع زوجة الرفيق وأخيها حول اقتسام العمولة" في صفقة ما في فبراير من هذا العام.. ثم وُجد نيل ميتاً في غرفته بالفندق وأعلنت السلطات الأمنية، وعلى رأسها صاحب وشريك "بو" رئيس الشرطة والأمن في تلك المدينة الساحلية، أن رجل الأعمال البريطاني توفي بسكتة قلبية، وانتهى التحقيق إلى حين. وفي يوم 6 فبراير تسلل رئيس الشرطة الصديق إلى القنصلية الأميركية، ويبدو أنه أحس بأن الحلقة بدأت تضيق على زوجة بو وأخيها، وكتب رسالة اعترف فيها بأن رجل الأعمال البريطاني قتل مسموماً ووجه اتهاماً مدعوماً بالأدلة إلى زوجة صديقه وأخيها. قصة الرفيق "بو" التي تشبه الأفلام البوليسية الأميركية الطويلة، وقد وثقها في كتاب "حياة الرفيق بو" للصحفي الشجاع "وايبنج". لقد سأل صحفي كندي زميله الصيني: "كيف تمكن الرفيق بو من الاستمرار والصعود في مراتب الحزب الشيوعي والحكومة، وجرائمه وسرقاته كما تقول؟"، فرد الصحفي الصيني مبتسماً: "لقد كان من الشطارة الإجرامية"، أنه قد جمع من حوله أبناء وبنات وأقرباء رجال الحزب والسلطة الكبار، وكان يقضي لهم أعمالهم ويفتح لهم نوافذ الفساد في الخارج والداخل". ومن هنا نقول دائماً إن الضمانة الوحيدة ضد الفساد والقهر، هي وجود صحافة وصحفيين ذوي ضمائر حية، مما يؤهل الصحافة لتصبح السلطة الرابعة بحق.