أثار الشيخ "عبدالمنعم الشحات"، المتحدث الرسمي باسم الدعوة السلفية بمصر، جدلاً شديداً، بعدما أفتى بأن "الذين لقوا مصرعهم من جماهير كرة القدم في استاد بورسعيد ليسوا شهداء، إنما هم ماتوا في سبيل اللهو المحرم شرعاً". وأكد في تصريحه أن "كرة القدم حرام شرعاً وأنها لعبة دخيلة على المسلمين ومستقاة من الغرب". وقال في مؤتمر بمسجد الفتح بالأسكندرية إن الرياضات الثلاث الوحيدة التي أحلّها الإسلام هي "الرماية والسباحة وركوب الخيل". وأضاف "إن من ذهبوا إلى مباراة كرة القدم من الجماهير الذين لقوا مصرعهم لم يكونوا ذاهبين في سبيل الله إنما في سبيل اللهو، واللهو هو الذي يلهي عن عبادة الله". وطالب الشحات "بأن يتم تخصيص الأموال والميزانيات التي تصرف على لعبة كرة القدم، على مسابقات تحفيظ القرآن الكريم". أما الشيخ "محمود الكتامي"، منسق ائتلاف علماء الأزهر بالأسكندرية، فقد استنكر فتوى " الشحات"، وقال "إن من مات مظلوماً دون ذنب جناه ودون أن يكون معتدياً، والمتوفى فجأة، هو شهيد. وبذلك من قضوا في أحداث بورسعيد هم شهداء". وأكد الشيخ الأزهري "أن مشاهدة كرة القدم وممارستها كغيرها من الرياضات مُستحب ولا شيء فيه، وعلى العكس، فهو أمر مشروع يقضي الناس فيه أوقات فراغهم بدلاً من التسكع على النواصي والمقاهي أو حانات الخمر". والواقع أن "اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء" في السعودية، وهي لجنة يرأسها عادة مفتي المملكة، قد أجابت عن سؤال فحواه "ما هي أنواع الألعاب الجائزة في الإسلام"؟ فأجابت في فتوى منشورة بما يلي: "يجوز السباق على الخيل والإبل، وفي الرماية، واللعب بالحراب ونحوها من الحرب، للتمرين على أعمال الجهاد في سبيل الله والاستعداد له.. وبالله التوفيق". وحرّمت اللجنة الدائمة كرة قدم المنضدة أو الفرفيرة، التي ظهرت في أماكن التسلية، وهي مركبة من منضدة فيها تماثيل لاعبي كرة القدم، ويوضع فيها كرة صغيرة يتبارى بها اللاعبان. وجاء في الفتوى: "إذا كان حال هذه اللعبة ما ذُكر من وجود تماثيل بالمنضدة التي يُلعب عليها، ودفع المغلوب أجرة استعمال اللعبة لصاحبها فهي محرمة". وأضافت لجنة الإفتاء: "إن الاشتغال بهذه اللعبة من اللهو الذي يقطع على اللاعب بها فراغه ويضيع عليه الكثير من مصالح دينه ودنياه"، ثم إن "صنع التماثيل والصور واقتناؤها من كبائر الذنوب". (فتاوى علماء البلد الحرام: فتاوى شرعية في مسائل عصرية، د. خالد بن عبدالرحمن الجريسي، الرياض 2009، ص 1576). وفي مجموعة أخرى من فتاوى كبار رجال الافتاء في المملكة، صادرة عام 2006، أجابت اللجنة الدائمة عن سؤال مضمونه "ما هو الحكم في الدخول إلى ملعب كرة القدم لمشاهدة إحدى المباريات"؟ فكانت الفتوى: "الدخول في الملعب لمشاهدة مباريات كرة القدم إن كان لا يترتب عليه ترك واجب كالصلاة، وليس فيه رؤية عورة، ولا يترتب عليه شحناء وعداوة، فلا شيء فيه، والأفضل ترك ذلك، لأنه لهو، والغالب أن حضوره يجر إلى تفويت واجب وفعل محرم". موسوعة الأحكام والفتاوى الشرعية، جمع وترتيب صلاح الدين محمود السعيد، القاهرة 2006، ص 1527). والكتاب يتضمن فتاوى اللجنة الدائمة للافتاء بالمملكة وفتاوى للشيخ عبدالعزيز بن باز، الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، الشيخ محمد بن صالح العثيمين، الشيخ صالح بن الفوزان، والشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين. وأذكر وأنا في معرض من معارض "الكتب الإسلامية"، أن وقعت على كتاب شامل بعنوان "حقيقة كرة القدم: دراسة شرعية من خلال فقه الواقع"، من تأليف ذياب بن سعد الحمدان الغامدي، وقد راجعه وقرَّظه الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن الجبرين، الطبعة الثانية سنة 2009، وهو عبارة عن دراسة سلفية شاملة لما اعتبره المؤلف الحلال والحرام، في مجال كرة القدم، والكتاب كبير نسبياً، تقارب صفحاته الـ490 صفحة، في أربعة أبواب والكثير من الفصول! فماذا قال الغامدي في رؤيته السلفية لهذه اللعبة الشعبية؟ ففي المقدمة يقول: "لا نشك طَرْفة عين: أن كرة القدم قد غدت منبع الضلالة، ومنجم الجهالة، فمنها نشأت سحائب الغواية، وإليها تقاد خبائث العماية، وكان من الخزي والعار أن تغفل أمة كهذه (المسلمين) عن لعبة كهذه (كرة القدم) فتغضُّ الطرف، أو قل تكمم الأفواه عن بيان مخاطرها على أبناء المسلمين بياناً ناصعاً لا شِيّة فيه". وكيف ينظر الشرع الإسلامي إلى هذه اللعبة؟ يقول المؤلف إن للعلماء في هذه المباريات ثلاثة أقوال: المنع مطلقاً، وبذلك قال الشيخ عبدالعزيز السلمان، الجواز مطلقاً، وبهذا قال ابن تيمية وبعض الشافعية به أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء والشيخ محمد بن عثيمين، ومنع اللعب إن كان منظماً بشكل مبالغ فيه وجوازه في غير ذلك، وبه أفتى الشيخ محمد بن ابراهيم. ويناقش الغامدي أدلة كل طرف، ثم يعرض فتوى اللجنة الدائمة لعام 1980-1401هـ، والتي يقول إنها قطعت قول كل خطيب، عندما أجابت عن السؤال، ما هو الحكم في رؤية مباريات الكرة التي تُلعب على كأس، أو على منصب من المناصب، كاللعب على دوري، أو كأس مثلاً؟ فكانت فتوى اللجنة كما يلي: "مباريات كرة القدم حرام، وكونها على ما ذُكر من كأس، أو منصب، أو غير ذلك منكر آخر إذا كانت الجوائز من اللاعبين أو بعضهم، لكون ذلك قماراً، وإذا كانت من غيرهم فهي حرام، لكونها مكافأة على فعل محرم، وعلى هذا فحضور هذه المباريات حرام؛! (ص161). يرى الغامدي في كرة القدم محاذير شرعية، تزيد على الأربعين محظوراً، ويعتبر انتشارها والإقبال عليها امتداداً للغزو الاستعماري الصليبي، وتنفيذاً لبعض مخططات بروتوكولات حكماء صهيون، وخطة لصرف شباب العالم الإسلامي عن الجهاد. و"من المحرمات التي تنشرها هذه اللعبة التصفيق، والتصفيق في المحافل والاجتماعات للتشجيع والتعجب تشبُّهُ منكر ومعصية". كما لا يجوز رفع الأصوات بالهتاف والتأييد. "فإذا كانت الأدعية والأذكار الشرعية لا تجوز بصوت جماعي، بل عَدَّهُ أكثر أهل العلم من البدع المحرمة، فكيف بالأصوات الجماعية التي ينعق بها أبناء المسلمين من فوق المدرجات الرياضية.. فحسبنا الله ونعم الوكيل"! ويعترض الغامدي كذلك على أن حَكَمَ المباراة يلغي حُكم الله في الجنايات والقصاص، مثل العين بالعين والسن بالسن. ويقول "لو أن اللاعب أثناء المباراة قام بكسر رجل أو سن لاعب آخر، أو قام بضربه أو غير ذلك مما نصت الشريعة الإسلامية على القصاص فيه، كانت حكمه عندهم "فاول"، أو ضربة جزاء، أو طرداً من الملعب، أو "كرت" أحمر، أو غير ذلك من القوانين الوضعية". ومن أطرف ما يورده الغامدي من مآخذ على كرة القدم، صراع اللاعبين وتنافسهم وتداخلهم لتحقيق الأهداف، مما يتسبب في تخويف وترويع اللاعب المسلم في الفريق المنافس! يقول: "ومثل هذا الترويع، والتخويف هو ما يفعله لاعبو كرة القدم أثناء اللعب مع خصومهم، وذلك ماثل في ركل كرة القدم بشدة تجاه الخصم سواء كان الخصم حارساً أو لاعباً. وكذا ما يفعله اللاعب عند المراوغة أثناء اللعب، في غير ذلك من الحركات المروعة التي يصطنعها اللاعبون، وكذا ما يفعله بعض المشجعين عند فوز فريقهم من ترويع وتخويف للمارة من المسلمين". هذه بعض أسباب نفور السلف من كرة القدم، بل والكثير من الألعاب الجماعية الأخرى، مثل كرة السلة وكرة اليد وغيرها، وتشكيكهم في أهدافها الحقيقية! ويبقى أن ننتظر اسناد منصب وزير "الشباب والرياضة" إلى أحد السلفيين في مصر لنعرف كيف يتعامل الوزير مع الرياضة والمباريات والجمهور.. وكرة القدم.