قد يكون من المفيد أحياناً أن نرى أنفسنا مثلما يرانا الآخرون. ولاشك أن الأنباء المنشورة نهاية الأسبوع الماضي بالتزامن مع عيد الاستقلال الأميركي في صحيفتين ناطقتين بالإنجليزية، معروف عنهما التعاطف الدائم مع الولايات المتحدة، شيء يبعث على الإحباط بكل المقاييس. فصحيفة بريطانية يومية مثل "الديلي تلغراف"، وهي جريدة محافظة تعتبر من أكثر الجرائد اليومية ذات الحجم العادي مبيعاً، تصنفنا بأننا أمة مكتئبة، وتستحضر بيانات من استطلاعات رأي تعبر فيها نسبة كبيرة من الأميركيين عن اعتقاد مؤداه أن اقتصادنا سيتدهور أكثر، وتوقع أفراد العينة أن مستقبل أطفالهم سيكون أكثر سوءاً من أيامهم الحالية العصيبة. وعلى سبيل المثال، كتب" توبي هارندن"، المحرر المسؤول عن الشؤون الأميركية في الصحيفة، يقول: "إن الدولة التي كانت علامتها المميزة تفاؤل لا يقاوم باتت اليوم في قبضة حالة غير مسبوقة من عدم اليقين والشك في النفس. فنظراً إلى أن الولايات المتحدة باتت عالقة في ثلاث حروب خارجية، ومبتلاة باقتصاد لا يُظهر أية علامة على الصعود من هاوية الركود التي سقط فيها، ونظراً إلى أن الشعب الأميركي فقد إلى حد كبير إعجابه بالرئيس أوباما، ومنافسيه الجمهوريين، والكونجرس، على حد سواء، فإن المزاج العام في أميركا بات مكتئباً". ويمضي الكاتب في مقاله ليستعين ببيانات استطلاع رأي أجري في الآونة الأخيرة تبين منه أن 39 في المئة من الأميركيين مقتنعون بأن اقتصاد بلادهم الذي يضربه الركود في الوقت الحالي "قد دخل مرحلة أفول طويلة الأمد لن يخرج منها وقد شفى تماماً". كما يشير أيضاً إلى نتيجة مسح أظهر أن 57 في المئة من المستطلعة آراؤهم باتوا مقتنعين بأن أطفالهم لن يحققوا أبداً ذلك المستوى من المعيشة الذي كان موجوداً قبل نشوب الأزمة المالية. كما أدلى "فرانك لوتز"، المستشار السياسي ومدير إحدى مؤسسات استطلاع الرأي الذي بات من الوجوه المألوفة في برامج محطة "فوكس نيوز" هذه الأيام، بحديث لـ"الديلي تلغراف" قال فيه إن الأميركيين لا يعتبرون أوباما مسؤولًا وحده عن جو التشاؤم السائد في أميركا في الوقت الراهن، مضيفاً: "إن كل مؤسسة تقريباً، في أميركا، قد عانت من التدهور". واستطرد "لوتز" قائلاً: "إن وسائل الإعلام باتت أقل مصداقية اليوم مقارنة بالماضي، كما أن المشروعات الكبرى في كافة المجالات لم يعد موثوقاً بها". وأحد الأسباب الرئيسية لهذا الفقدان العام للثقة، نشر في صحيفة "أيريش تايمز"، حيث تحدث كاتب العمود والناقد "فينتان أوتول" عما رآه في زيارة قام بها في الأونة الأخيرة للولايات المتحدة بقوله: "لقد أصبت بالذهول لحجم التدمير الذي ألحقه الركود بالمحركات الأساسية للاقتصاد الأميركي وبالمناطق الحضرية العظيمة". ومن المعروف أن المدن الأميركية الكبرى في حد ذاتها تمتلك اقتصادات تعد من أكبر الاقتصادات في العالم. فلو افترضنا أن هذه المدن قد باتت دولاً، فإن مدينة مثل نيويورك ستحتل المركز الثالث عشر على مستوى العالم، ولوس أنجلوس المركز الثامن عشر، وشيكاغو المركز الحادي والعشرين. وحتى العاصمة واشنطن لديها اقتصاد يفوق اقتصاد دولة مثل النرويج أو النمسا أو جنوب إفريقيا. بل إن الناتج المحلي الإجمالي لدولة مثل إيرلندا، يعادل الدخل الإجمالي لمدينة مثل "مينابوليس" أو "ديترويت". ومضى الكاتب في ذكر المزيد من البيانات عن المدن الأميركية، وهي بيانات حصل عليها من تقرير تم إعداده في وقت سابق من هذا العام من قبل "مؤتمر العُمد" الذي انعقد، وانتهى، دون أن يلقي بالاً لما احتوى عليه التقرير من صورة مثبطة للاقتصاد المديني الأميركي، حيث يستطرد "أوتول": "وكما جاء في تقرير مؤتمر العُمد فإن البطالة هي السبب الرئيسي لهذه المشكلة. فمنذ أن بدأت الأزمة عام 2007 فقد أهالي نيويورك 385,200 وظيفة وفقد أهالي ديترويت323,400 وظيفة. كما كشف هذا التقرير كذلك أن هناك 330 منطقة حضرية تزيد معدلات البطالة فيها عن 6 في المئة(..) ومن بين 25 منطقة حضرية من تلك المناطق التي تصل فيها نسبة البطالة إلى أعلى المعدلات هناك 13منطقة في كاليفورنيا، و7 في الولايات المعروفة بولايات الشمس المشرقة وهي فلوريدا، ونيفادا وأريزونا، كما أن هناك مدناً في ولاية فلوريدا مثل فرنسو وموديستو تفوق نسبة البطالة فيها نسبتها في إيرلندا". والتداعيات المترتبة على تلك البطالة المخيمة، تتضاعف بسبب الشعور بعدم الأمان المتغلغل في كافة الأنحاء، الذي يشعر به هؤلاء ممن ما زالوا يعملون، وما زالوا محتفظين بوظائفهم، إذ يخشون أن يصحوا يوماً من نومهم، ليجدوا أنهم قد فقدوا تلك الوظائف، ما يعني احتمال أن يصبحوا غير قادرين على الإنفاق على أسرهم، ولا على التمتع بالضمان الاجتماعي، والعناية الصحية. وليس هذا فحسب بل إن هناك إحصائيات رسمية تؤكد أن نسبة نمو دخل القطاع الخاص خلال العقد الماضي كانت أسوأ بكثير من العشر سنوات التي تلت الكساد العظيم في أواخر عشرينيات وأوائل ثلاثينيات القرن الماضي. إن موضوعات مثل القضاء على البطالة، وإحياء اقتصادات المدن الأميركية الكبرى، يجب أن تكون هي الموضوعات التي تحتل محور الاهتمام الرئيسي خلال حملات الانتخابات الرئاسية القادمة -ولكنها على الأرجح لن تكون كذلك. وفي مثل هذه الحالة، فإن التنبؤ الذي تنبأ به الكاتب "لانتز" في مقاله في "الديلي تلغراف" حيث قال فيه إن انتخابات عام 2012 لن تشتمل حملاتها على أية من البنود التي سبقت الإشارة إليها، يغدو تنبؤاً مثيراً للقلق بكل المقاييس. ------- تم روتين كاتب ومحلل سياسي أميركي ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "أم. سي. تي. إنترناشيونال"