"تمدد المهمة" من المصطلحات الشائعة الاستخدام في دوائر السياسة الخارجية ومراكز البحوث والدراسات، وعلى ما يبدو فقد نشاهد تجسيداً له في إطار الأزمة الليبية المحتدمة حالياً. فكل خطوة تتخذها الولايات المتحدة والناتو في تلك الأزمة، تجعل أقدامهم تغوص أكثر في مستنقع لا يدرك أي منهما كنهه في الحقيقة، مما يجعلهما يدركان يوماً بعد يوم أن المهمة لن تنتهي عند الهدف الذي شرعا في تنفيذها من أجله، وهو منع نظام القذافي من ارتكاب المذابح ضد شعبه. ويرجع ذلك إلى أن أكثر الدول حماساً للتصدي للمهمة في البداية، وهي فرنسا، غير راغبة في نشر العدد الكافي من الجنود للمساعدة في إطاحة القذافي من السلطة. فما تكشف من مجريات تلك الأزمة، أنه بدون قوات أجنبية على الأرض فإنه من غير المحتمل أن تتمكن قوات المتمردين غير المدربة، والمفتقرة للتسليح، والسيئة التنظيم، والمنقسمة على نفسها... من الإطاحة بالقذافي بمفردها. فهو يقاتل بتصميم رجل يعرف أنه ليس أمامه من وسيلة سوى القتال دفاعاً عن نفسه وعن وجوده، كما يتمتع بدعم القبائل الموالية له، وبتأييد عدد معتبر من الليبيين الذين استفادوا على نحو ما من نظامه. وفي كلمة له أمام القوات الأميركية في بغداد، اعترف الأدميرال" مايكل مولين"، رئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة، بأن "الحرب الأهلية الليبية" تتجه نحو حالة من الجمود، وأن إرسال عدد من المستشارين من فرنسا وبريطانيا وإيطاليا لمساعدة المتمردين وإرسال طائرات من دون طيار من الولايات المتحدة لمساعدة الحملة الجوية ضد القذافي، مع تزويد المتمردين بما قيمته 25 مليوناً من المعدات غير القتالية... لن تمثل في مجموعها إجراءات يمكن أن تؤدي لكسر هذا الجمود. وكان وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف على صواب عندما حذر يوم الخميس الماضي من أن هذه الإجراءات "قد تؤدي إلى تمدد المهمة"، وأن هناك حالات كثيرة في التاريخ بدأ الأمر فيها على هذا النحو ثم تمددت المهمة وتواصلت لسنوات. وأشار المحلل المتخصص في الشؤون الأمنية "أنتوني كوردسمان" أيضاً إلى أن "الأزمة الإنسانية الصغرى" التي تدخلت الولايات المتحدة والناتو من أجل المساعدة على حلها، سوف تتفاقم و"تتحول إلى أزمة كبرى". وهناك نقطة أخرى غاية في الخطورة، وهي أنه إذا ما تمكن النظام الليبي من البقاء، رغم هذه الإجراءات، فإن الشعب الليبي لن يعاني فقط من خيبة أمل بسبب عجزه، رغم المساعدات الدولية، عن الإطاحة بالقذافي، وإنما أيضاً سوف يعاني من غضب الطاغية وانتقامه مثلما تعرض شيعة العراق لانتقام صدام حسين بعد تمردهم عليه عقب طرد قواته من الكويت عام 1991. هناك في العالم العربي شيء يحدث الآن، شيء خطير، لكنه واعد، ومهما كانت نتيجته فإنه يجب أن يترك لشعوب المنطقة ذاتها. وإذا ما تدخلت الولايات المتحدة فيه بالقوة العسكرية، وبالطائرات التي تطير بدون طيار التي يمكن بالمعلومات الصحيحة أن تستهدف القذافي وأبناءه وكبار مساعديه... فإنها لا يمكن أن تضمن العواقب التي يمكن أن تكون كارثية بدرجة لا يمكن تخيلها. ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"