إن التعددية الثقافية قد تولد الإرهاب. هذا ما قاله رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون في خطاب لافت ألقاه في الخامس من فبراير الجاري بألمانيا، فاتحاً بذلك فصلاً جديداً منافيّاً للعقل في السجال الذي لا نهاية له بخصوص الحدود المناسبة لاحتضان وتمجيد وحماية الاختلافات الثقافية في بريطانيا وما وراءها. بالنسبة لي لست من أنصار التعددية الثقافية، التي تعني إجمالاً ضرورة تشجيع الأقليات الإثنية على الحفاظ على تقاليدها. وهذا التشجيع يصل في بلدان مثل بريطانيا إلى حد تمويل الدولة للمنظمات الإثنية من أجل ضمان استمرارية ثقافة المهاجرين الوافدين على البلاد. هذا بينما تعتمد الولايات المتحدة نوعاً "أنعم" من "التعددية الثقافية" -غالباً باستعمال شعارات تمجّد التنوع وتمتدحه. والواقع أن العقل والحكمة يقولان إن التركيز المبالغ فيه على العشيرة أو الإثنية أو الجنسية السابقة يمكن أن يكون مناقضاً للهدف المشترك، ولتماسك وتلاحم أمة ذات سكان متنوعين وكثيرين. ولكن الزعم بأن دعم دافع الضرائب لجمعية حياكة بنغالية في الحي أو منظمة إسلامية للحقوق المدنية يتسبب في الإرهاب الداخلي يشبه القول إن التربية الأخلاقية تخلق معتدين على الأخلاق. غير أن المثير للاهتمام في خطاب كاميرون ليس المبالغة والتضخيم فحسب وإنما غياب المنطق والعقلانية أيضاً؛ ذلك أن الحل الذي يقترحه للتعاطي مع التحديات التي يطرحها التنوع، وارتباكه بشأن الأسباب والنتائج، لا يمكن إلا أن يزيد الأمور سوءاً. ففي خطابه، ندد كاميرون بـ"التسامح المطلق" مع بعض السلوكات الثقافية التي تخالف القيم الغربية -استعمل مثال الزواج القسري- ورأى أن بريطانيا تحتاج، بدلاً من ذلك، إلى الفوز بعقول وقلوب المهاجرين الجدد من خلال قيم الحرية والشخصية والفردانية، وعبر محاربة فقدان الجذور الذي ينتج عن التعددية الثقافية ويمكن أن يدفع البعض إلى التطرف السياسي. وقد اختار كاميرون للوصفة المعادية للتعددية الثقافية اسماً هو: الليبرالية القوية -إشارة إلى الفلسفة السياسية التي تقدس الحرية الشخصية- وقال: "إن حرية التعبير، وحرية العبادة، والديمقراطية، وحكم القانون، والمساواة في الحقوق بغض النظر عن الجنس أو العرق أو الميول الشخصية" من شأنها أن توفر "إحساساً واضحاً بالهوية الوطنية المفتوحة في وجه الجميع"، وبخاصة المسلمين الشباب العالقين بين الثقافات. بيد أن المشكلة الوحيدة هي أن الحريات التي ينتصر لها كاميرون، وبغض النظر عن قيمتها وجدارتها، لا تشكل "جذوراً" صلبة وقوية؛ ذلك أن الليبرالية الأنجلو- أميركية هي بالأساس مجموعة من الأفكار المجردة؛ والأمور المجردة هي بكل بساطة غير فعالة مثل النسب والعادات الدينية عندما يتعلق الأمر بتوحيد الناس كأمة. وفي هذا الإطار، تعترف نانسي روزنبلام، المتخصصة في العلوم السياسية بجامعة هارفرد والمعتنقة لليبرالية، بأن إيديولوجيا الحرية الفردية يمكن أن تنتج "تجربة سخط واستياء"، وذلك لأن "الرجال العاديين والنساء العاديات لا يمكنهم أن يجدوا أنفسهم فيها". وبعبارة أخرى، إن التعددية الثقافية ليست، على الأرجح، هي التي تولد فقدان الجذور، وإنما الليبرالية ذاتها. وهذا الأمر تثبته دراسة أجراها باحثان بجامعة ديوك وجامعة كارولينا الشمالية حول الإرهاب الداخلي في 2010، حيث وجدا أن احتمال أن يؤدي فقدان المرء لهويته الثقافية التقليدية العائلية إلى التشدد هو أكبر مقارنة مع الحفاظ على تلك الروابط؛ وذلك لأن محاولة تبني قيم الثقافة الغالبة الجديدة يمكن أن يخلق أحياناً لدى المهاجرين نوعاً من التهميش الذي يمكن أن يؤدي إلى التطرف في نهاية المطاف. ومن أجل محاربة الإرهاب الذي يخشاه كاميرون، توصي الدراسة بخطوات من قبيل احتواء التعددية الثقافية، من أجل تشجيع الهويات الإثنية. والواقع أنه لا كاميرون ولا المدافعون عن التعددية الثقافية يملكون الجواب فيما يتعلق بسبل خلق التماسك والتلاحم في دول معولمة ومتنوعة وحديثة. فأنصار التعددية الثقافية يعتقدون أن الاستمرارية الثقافية الإثنية ستخفي على نحو ما القطيعة المؤلمة، والخطيرة أحياناً، مع الماضي التي يواجهها القادمون الجدد. هذا في حين يتخيل كاميرون أن من شأن مقاربة جديدة أن تحول القيم الليبرالية المجردة إلى رابط وثيق لا يقل قوة عن الروابط القبلية أو الدينية القديمة. ولكن إليكم السر القذر الصغير الذي يخفيه العالم الغربي: فعلى رغم القيم السياسية التي يتم تمجيدها، إلا أن الديمقراطيات الغربية، تاريخيّاً، تعود وتلجأ إلى أي تضامن عرقي أو إثني أو ديني لديها من أجل تمتين وتوطيد هوياتها. والحقيقة هي أنه بدون الاعتماد على نوع من أنواع الليبرالية القديمة -أو ربما التأثير الموحِّد للحرب- فإننا لا نملك أي فكرة -بالضبط- عن الكيفية التي ستلتحم وتتحد دول الغرب التي تزداد تنوعاً بسرعة وتتقدم إلى الأمام. ولكن الشيء الوحيد الذي نستطيع أن نعرفه بشكل أكيد هو أن كلا طرفي الجدال حول سلبيات وإيجابيات التعددية الثقافية إنما يخدعان نفسيهما. جريجوري رودريجيز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي. إنترناشيونال"