يبدو للوهلة الأولى أن الرائد في الجيش الأميركي، نضال حسن، المتهم بقتل 13 شخصاً ومحاولة قتل 32 آخرين في عملية إطلاق الرصاص التي أقدم عليها بقاعدة "فورت هود" في نوفمبر 2009، من أصعب الإرهابيين الذين يمكن رصدهم، فقد كان مثل الذئب الشارد الذي يعمل لوحده من دون توجيه من أحد أو انتماء إلى خلية، ولكن مع ذلك لم تأتِ العملية التي نفذها من فراغ، ولم تكن مفاجئة تماماً بالنسبة للجيش ومكتب التحقيقات الفيدرالي، وهذا ما يجعل الجريمة أكثر مأساوية. فقد خلصت لجنة التحقيق التي شكلها مجلس الشيوخ حول الجريمة وملابساتها أن كلًا من وزارة الدفاع ومكتب التحقيقات "توفرا على معلومات كافية كانت كفيلة بكشف تشدد نضال حسن وتوجهه نحو التطرف الإسلامي، ولكنهما فشلا في فهم ما يجري والتصرف على أساسه". وبحسب ما جاء في تقرير اللجنة كان بالإمكان تفادي وقوع القتلى وتجنب الجريمة، غير أن فشل وزارة الدفاع في رصد التطرف الديني داخل صفوفها وبين أفرادها، بالإضافة إلى قصور تنظيمي وفي تحليل الاتصالات في عمليات مكتب التحقيق الفيدرالي تسببا في المأساة التي راح ضحيتها 13 جنديّاً أميركيّاً. فقد عبر نضال خلال فترة عمله في مركز "والتر ريد" الطبي كمعالج نفسي عن أفكاره المتطرفة أكثر من مرة، بل لقد انخرط في تبرير العمليات الانتحارية، معتبراً أن الأنشطة العسكرية الأميركية في العراق وأفغانستان موجهة ضد الإسلام، مبيحاً تبعاً لذلك قتل المسلمين في الجيش الأميركي لزملائهم وجعل الولاء للدين أعلى مرتبة من الولاء للالتزامات التي يقطعها العسكري لدى انضمامه إلى الجيش، والتي من ضمنها الدفاع عن الوطن وحماية الدستور. وعلى رغم أن عدداً من زملاء نضال اشتكوا من تصرفاته وتصريحاته المتشددة، بحيث وصفه أحدهم بأنه "قنبلة موقوتة"، إلا أنه لا أحد من رؤسائه اهتم بالأمر، معللين ذلك بأن تصريحات نضال الخارجة عن القواعد تعطي فرصة لفهم الفكر المتشدد وكيفية التعامل معه، وهي طبعاً حجة واهية لا تقنع أحداً. وبدلاً من تأديبه أو تسريحه من الجيش قام رؤساؤه بتلميع تصريحاته حول الراديكالية الإسلامية باعتبارها جزءاً من أبحاث يقوم بها الجيش لفهم الفكر المتطرف. ولذا فإن أول ما يتعين على وزارة الدفاع القيام به اليوم لتفادي تكرار مثل هذه الإخفاقات هو رصد الأخطار التي يمثلها الإسلام الراديكالي داخل الجيش الأميركي، والكف عن التغطية بالإشارة إليه على أنه مجرد "التطرف المؤدي إلى العنف". كما يتعين على الوزارة تدريب أطرها لكشف العلامات الأولى للتطرف حتى يتسنى التعامل معها بسرعة وبفاعلية. ومن شأن هذه الإصلاحات أن تخفف الضغط على باقي المسلمين الشرفاء الذين يخدمون في الجيش الأميركي، ورفع الشكوك غير المبررة التي قد تحوم حولهم، وفي الوقت نفسه تفادي تكرار مأساة "فورت هود". ويكشف التقرير أوجه القصور في عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي الذي فشل في فهم واستيعاب الاتصالات التي كان يجريها نضال مع أحد المشتبه فيهم بالإرهاب، حيث تلقت الاتصالات وحدتا مكافحة الإرهاب التابعتان للمكتب في كل من واشنطن وسان دييجو، ولكنهما لم تتابعا التحقيق إلى نهايته، فقد حققت وحدة واشنطن في الاتصالات التي كان يجريها نضال، وعلى رغم ما اشتملت عليه من رسائل مقلقة فقد اعتبرتها الوحدة جزءاً من بحث يجري حول الإسلام والإرهاب، ومع أن فرع سان دييجو تحفظ على هذا التقييم إلا أن الأمر ظل محصوراً بين الوحدتين ولم يتم رفعه إلى المقر الرئيسي للمكتب، وهكذا تم إنهاء التحقيق حول قضية نضال حسن على نحو مبكر حتى دون التحدث إليه مباشرة. وعندما ارتُكبت الجريمة في قاعدة "فورت هود" انخرطت فروع مكتب التحقيقات في تبادل التهم بعد فوات الأوان. يذكر أن المكتب تحت قيادة مديره "روبرت مولر" تبنى مجموعة من الإصلاحات منذ هجمات 11 سبتمبر 2001 ليصبح الجهاز الأول في أميركا المتخصص في جمع المعلومات حول الإرهاب لمكافحته والتصدي لأخطاره على الأراضي الأميركية بدل التركيز كما كان في السابق على التحقيق في العمليات الإرهابية بعد وقوعها. ومع أننا نساند التغييرات الجوهرية التي أدخلها "مولر" على مكتب التحقيقات الفيدرالي إلا أن فشله في رصد كارثة "فورت هود" يشير إلى أن الجهود ما زالت ناقصة. فمع أن هذا العام سيشهد مرور الذكرى العاشرة لهجمات الحادي عشر من سبتمبر الأليمة، وأمام تنامي أخطار التطرف الإسلامي في العالم، فإنه لم يعد ممكناً تمرير مثل هذه الأخطاء والهفوات في عمليات التنظيم وتحليل الاتصالات التي يقع فيها مكتب التحقيقات الفيدرالي، لأن النتائج قد تكون وخيمة على غرار ما شهدناه في حادثة "فورت هود". ولإحياء ذكرى القتلى الذين سقطوا على يد نضال حسن فنحن نتعهد بأن يصبح تقرير لجنة مجلس الشيوخ دليلًا واضحاً لتطوير عمل الأجهزة الأمنية وإشراف لجنة الأمن القومي والشؤون الحكومية داخل الكونجرس على إجراء المزيد من الإصلاحات على الجهاز التنفيذي للحكومة لنتمكن بهذه الطريقة من رصد "القنابل الموقوتة" قبل انفجارها في وجوهنا. جوزيف ليبرمان وسوزان كولينز عضوا لجنة الأمن الداخلي والشؤون الحكومية في الكونجرس الأميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس"