تشبه سارة بالين فيلماً جيداً لا يرغب المرء في إنهائه. فهي بالنسبة لأنصار حركة "حفلة الشاي" وملايين الجمهوريين، بمثابة نسخة مصغرة من فيلم "السيد سميث ذاهب إلى واشنطن"، والذي تتحاشى فيه نخبة واشنطن البطل الذي يُكسبه حديثه الصريح وأسلوبه المختلف تعاطف وحب الأميركيين العاديين. لكنها بالنسبة لآخرين تذكِّر بالفيلم الكوميدي "إنه عالم مجنون مجنون مجنون"، والذي تبحث فيه مجموعة من الكوميديين عن كنز مثل السراب جعلهم جميعاً يبدون كالأغبياء. إن مجرد الإشارة إلى اسمها يثير هستيريا لدى البعض، لكن ربما حان الوقت الآن لكي يهدأ أنصارها ومنتقدوها على حد سواء ويعيدوا التفكير بشأن مواقفهم منها. والحق أنها ظُلمت وذُكرت بالسوء في بعض الأحيان، لكن كذلك الحال بالنسبة لهيلاري كلينتون. ثم إن السياسة عالم قاس تماماً مثل الملاكمة: إذا دخلت الحلبة، فعليك أن تتوقع تلقي ضربة قوية، بل الكثير من الضربات القوية. والأكيد أن بالين سياسية قوية وبارعة في الترويج لماركتها، لكنها لا تصلح للرئاسة، والحزب الجمهوري يعلم ذلك. أما قوتها المتبقية، فتكمن في سموها عن وضع سياسية محافظة تخضع لقواعد اللعبة وحسب، لتصبح بدلاً من ذلك شخصية مسلية حقيقية صادف أنها تحظى بشعبية كبيرة بين بعض الناخبين المحافظين. والواقع أن جزءاً من نجاح بالين يكمن في قدرتها الخارقة على الظهور بمظهر جيد دائماً أمام الكاميرا. صحيح أن جمالها وجاذبيتها الطبيعيان يساعدانها كثيراً في ذلك، لكن فقط من يتمتع بثقتها وجاذبيتها يمكن أن تُلتقط له صورة مع مجموعة من الرجال الذين يرتدون سترات من الفراء وخُوَذ الفايكينج، من دون أن يؤثر ذلك (كثيراً) على مشواره العام. ولعل المرشح الرئاسي الديمقراطي السابق مايكل دوكاكيس يستطيع البرهنة على أن المصورين يستطيعون الإضرار بطموحات مرشح رئاسي بسرعة. فهل تتذكرون دوكاكيس عام 1988 وهو يبتسم فوق دبابة مرتدياً خوذة وممسكاً برشاش ومزهواً بربطة عنقه؟ ولأن الكاميرا تحبها، فقد ظهرت بالين على مجلتي "فوج" و"رانرز وورلد". لكن أنصارها مازالوا متعطشين للمزيد؛ وخصومها لا يستطيعون تجاهل ذلك. وفي الحياة السياسية الأميركية، يتوقف نجاح المرشح في أحيان كثيرة بشكل أقل على الموهبة منها على التقليد الساخر. ولا شك أن ذلك ينطبق كثيراً على حالة بالين؛ فهي تقريباً تمثل نسخة كاريكاتورية لنزعة ريجن المحافظة الفردانية الخشنة، والارتياب الغريزي في الحكومة والنخب والمثقفين، والوطنية المتشددة التي تم تحديثها حتى تتماشى مع عصر وسائل الإعلام الاجتماعية. وقبل نحو مئة عام من الآن، كتب الناقد الأميركي إتش. إل. مينكن يقول: "اليوم لم تعد ثمة أي أهمية لإدارة الحكم في حياتنا السياسية، لأن الطريق الوحيد للنجاح في الحياة العامة الأميركية يكمن في التملق والتزلف للغوغاء". والواقع أن بالين تفعل ذلك أحسن من أي شخص آخر. فمن غيرها يستطيع الزعم بأنه يجسد رحابة ألاسكا، ويقود حركة "الأمهات الدببة"، ويبيع وصفة حساء الغزال الأميركي... كل ذلك بموازاة مع طرح آرائه في النقاشات السياسية؟ لقد أصبحت بالين بمثابة صمام الأمان بالنسبة لنا؛ شخصية مسلية وشيئاً تافهاً للاستمتاع به لبضعة أشهر إضافية. إنها الجسر الذي سيأخذنا من الحاضر المضطرب إلى انتخابات العام المقبل التمهيدية؛ لكنها لن تستمر على الأرجح، لأن الجمهوريين يريدون هزيمة أوباما ولن يجازفوا بترشيح شخص لا يحصل على أرقام جيدة في استطلاعات الرأي؛ حيث يشير استطلاع أجرته "سي بي إس" و"نيويورك تايمز" مؤخراً إلى أن 19 في المئة فقط من الأميركيين لديهم انطباع جيد عنها، مقابل 57 في المئة. وفي هذه الأثناء، تهاجَم بالين بشراسة من قبل المنتقدين الذين ألقوا باللوم عليها بعد المذبحة التي شهدتها ولاية أريزونا، واتهموها بالمساهمة في جو الكراهية. لكنها رفضت هذا الربط في رسالة فيديو استعملت كلمة "القذف والتشهير" للرد على المنتقدين. ثم تلا ذلك مزيد من الجدل، لكن معظم الأميركيين أغفلوا المعنى التاريخي؛ وقد وجدتُ نفسي أشرح الخلفية التاريخية للاتهام الذي يعود للقرون الوسطى لصديق لي من الجمهوريين المحافظين قال لي: "لقد كنتُ أعتقد أنها تتحدث عن الليبراليين اللعناء". لكن، هل كان من الخطأ أن يضع موقعها على الإنترنت ما بدا كرمز للاستهداف الذي يوجد على مناظير البنادق فوق المناطق الممثلة بديمقراطيين في الكونجرس؟ لا شك في ذلك. لكنه أمر تافه بالمقارنة مع قرار بوش الابن الزج بالبلاد في حرب مفتعلة في العراق قتلت أزيد من 4400 أميركي. لقد كان ذلك عملاً إجرامياً! كما تم الاستهزاء ببالين في نوفمبر الماضي عندما أساءت التعبير وقالت: "بالطبع علينا أن نقف إلى جانب حلفائنا الكوريين الشماليين"؛ غير أن ذلك يبدو تافهاً بالمقارنة مع تشديد الرئيس فورد في عام 1976 على أنه "ليس ثمة أي هيمنة سوفيتية على أوروبا الشرقية". إنني أشعر بالقشعريرة والتقزز عندما أتذكر جلد الدب الذي تضعه على أريكة مكتبها؛ لكني أتذكر أيضا أنه لم يكن ثمة غضب أو سخط عندما دعا الرئيس جونسون ضيوفاً إلى مزرعته في تكساس لإطلاق النار على غزلان مُدجّنةٍ تقريباً. والتر رودجرز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"