قبل أن يصل الرئيس الأفغاني إلى واشنطن الشهر المقبل، فإنه يتعين على أوباما اتخاذ قرارات واضحة بشأن مسار الحرب ومصير عملية السلام في أفغانستان. وتعتقد دول الجوار ومعظم الأفغان أن الوقت قد حان لبدء نهاية لعبة أفغانستان ما بعد الغزو الأميركي. فلم يتبق لاستراتيجية زيادة عدد القوات الأميركية هناك، سوى 14 شهراً فحسب كي تثمر عن نتائج ميدانية وأمنية واضحة، وفي الوقت الذي تواصل واشنطن استعداداتها لبدء سحب جنودها من هناك في شهر يوليو من العام المقبل، وتسليم المهام الأمنية للقوات الوطنية الأفغانية. كما يلاحظ أن دول الجوار، لا سيما باكستان والهند وإيران وحتى روسيا، قد بدأت صراعاتها الإقليمية من أجل فرض نفوذها على تشكيل مستقبل أفغانستان. وهذا ما يخيب آمال الكثير من دول "الناتو"، التي تتطلع إلى سحب جنودها من هناك في أقرب وقت ممكن. وكل هذه العوامل تدفع الكثيرين إلى الاعتقاد بأنه يتعين على أحد ما أن يتولى دور الوساطة مع "طالبان". وفي ظل غياب الدور القيادي للولايات المتحدة الأميركية، فلا تزال لعبة شد الحبل مستمرة حول من يقوم بذلك الدور، ومتى، وكيف وبأي الطرق؟ يذكر أن التوتر الذي حدث مؤخراً بين البيت الأبيض وكرزاي قد تراجع نوعاً ما بفضل الدور الذي لعبه قائد القوات الدولية في أفغانستان. غير أنه توتر كان السبب الرئيسي فيه شعور كرزاي بخيبة الأمل إزاء جملة من القضايا والأسئلة التي لم تتخذ منها إدارة أوباما موقفاً واضحاً. ووفقاً لما يراه مسؤولون أميركيون وأفغان، فإن السؤال الأول الذي يطرحه كرزاي على أوباما، ما إذا كانت واشنطن تؤيد جهود المصالحة التي تبذلها حكومته مع كبار قادة حركة "طالبان" المتمردة. يذكر أن واشنطن وحلف "الناتو" كانا قد وافقا في شهر يناير المنصرم على الجلوس معاً مع عدد من مقاتلي "طالبان" وقياداتها الوسيطة والدنيا. بيد أن واشنطن تراجعت لاحقاً لتعلن رفضها تقديم أي تنازلات للحركة. وبدلاً من ذلك تمسكت واشنطن برغبتها في أن ترى إضعافاً ميدانياً عسكرياً لمقاتلي الحركة خلال الفترة الممتدة بين 6-12 شهراً المقبلة قبل أن توافق على بدء أي مفاوضات مع قادتها. وفي المقابل أمضى ممثلو كرزاي العام الماضي كله في إجراء المحادثات عن التفاوض مع عدد من ممثلي كبار قادة الحركة في عدد من الدول الخليجية. وأكد قادة الحركة رغبتهم في التفاوض المباشر مع واشنطن، بينما يعلم كرزاي أنه لا سبيل لتقدم جهوده التفاوضية هذه مع قادة "طالبان" ما لم يحصل على تأييد واضح والتزام قوي من جانب واشنطن بالانخراط في هذه المفاوضات. كما يريد الأفغان إجابة واضحة من واشنطن على أنهم سيتولون أمر تشكيل مستقبل بلادهم بأنفسهم. ولا يزال يتعين على مجلس وزراء إدارة أوباما مناقشة هذا الأمر، غير أن المجلس منقسم على نفسه بشأن عدد من المسائل المختلف عليها، بما فيها احتمالات ردة فعل الناخبين الأميركيين تجاه أي تفاوض محتمل مع حركة "طالبان". ومما يزيد الأمر تعقيداً من الناحية الأخرى، الدور الذي يلعبه الجيش الباكستاني في هذه العملية، خاصة وأنه يتطلع إلى فرض نفوذه على عملية السلام في كابول، بدلاً من أن يتولاها الأفغان بأنفسهم. ويخشى كرزاي وغالبية الأفغان من أن تتباطأ واشنطن كثيراً في الانخراط في مفاوضة "طالبان" ما يعني إعطاء جهاز المخابرات الباكستاني الفرصة لفرض نفوذه على مستقبل أفغانستان، على نحو ما حدث في عقد الثمانينيات، إثر تخلي واشنطن عن أفغانستان، وتركها فريسة للنفوذين الروسي والباكستاني، وما نتج عن ذلك من عجز المخابرات الباكستانية عن وضع حد للحرب الأهلية الأفغانية التي نشبت حينها. هذا ويعترض جميع الأفغان تقريباًُ، بمن فيهم مؤيدو كرزاي من قبائل البشتون، وفصائل "تحالف الشمال"، المؤلف من القبائل غير البشتونية على أن يكون للمخابرات الباكستانية أي دور في تشكيل مستقبل أفغانستان. كما تعترض الدول الإقليمية المجاورة: الهند وروسيا وإيران إضافة إلى دول آسيا الوسطى الخمس على الدور نفسه لأجهزة المخابرات الباكستانية. لكن لدى إسلام أباد قناعة بأن حكومة كرزاي تسمح للهند بممارسة نفوذ يقوض مصالحها في المناطق الواقعة على حدودها الغربية، وهو النفوذ الذي تمارسه القنصليات الهندية الأربع المنتشرة في أفغانستان. وعليه فقد طالبت إسلام أباد كابول بإغلاق هذه القنصليات. وبالطبع فإن هذا المطلب تصعب تلبيته من قبل دولة مستقلة ذات سيادة مثل أفغانستان. وليس الصراع بين عاصمتي البلدين حول هذه القنصليات سوى مقدمة لاختبار صراع الإرادات السياسية بينهما. وبسبب هذه المناورات الباكستانية، سارعت نيودلهي لإحياء تحالفاتها الإقليمية القديمة في المنطقة، خاصة مع إيران وروسيا وآسيا الوسطى، وهي مجموع القوى التي سبق لها أن دعمت تحالف الشمال إبان الحرب الأهلية التي خاضها التحالف ضد حكومة "طالبان" من قبل. والمعلوم حينها أن الجيش الباكستاني وأجهزة المخابرات التابعة له، قد فرضا سيطرتهما عملياً على اتخاذ القرارات الاستراتيجية، ورسم سياسات إسلام أباد، نيابة عن الحكومة المدنية. وبذلك فغالباً ما تعكس سياسات باكستان الخارجية، هوس جيشها بما يسمى بالمهددات الأمنية الهندية. بذلك نصل إلى القول إن دول "الناتو"، وكذلك دول المنطقة كلها، تتطلع لأن تسمع من واشنطن قرارات صريحة بشأن التعامل مع "طالبان"، قبل أن تتصاعد التوترات الإقليمية وتصعب السيطرة عليها. وعلى إدارة أوباما أن تعطي إشارة واضحة فيما يتعلق بالتفاوض مع "طالبان"، فيما لو أرادت واشنطن و"الناتو" مساعدة الأفغان على خوض أي مفاوضات مستقبلية مع طالبان، وفيما لو أرادت هاتان القوتان الدوليتان للأفغان ألا يشعروا بتخلي واشنطن عنهم مرة أخرى، وتركهم ضحية لنزوات وأطماع جيرانهم الإقليميين. أحمد رشيد ـــــــــــــــــــــــــــــــــ محلل سياسي باكستاني ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست"