كتبت في الأسبوع الماضي عن مرتكبي الجرائم ضد الآمنين من المسلمين وغيرهم، وقلت إن هذه الجرائم هي في الحكم الفقهي الإسلامي محاربة لله ورسوله تنطبق على مرتكبيها الأحكام التي بينها القرآن الكريم في سورة المائدة (الآيتان 34 و35).
وفاجأتنا الصحف العربية الصادرة صباح الجمعة 11/6/2004 (اقرأ مثلاً الحياة اللندنية) بخبر ضبط أحد ضباط المخابرات الليبية الذي قالت إن اسمه العقيد محمد إسماعيل وإنه اعترف بأن خطةً أعدت بمعرفة المخابرات الليبية لاغتيال ولي العهد السعودي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز. وقالت الحياة أيضاً إن معتقلاً مسلماً أميركياً اسمه عبدالرحمن العامودي اعترف لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI) بأن هناك خطة ليبية أعدت بالهدف المذكور.
وفى الخبر المنشور بالتفصيل في "الحياة" قصة وساطة مصرية في الموضوع، ووساطة أردنية، وأن مسؤولاً سعودياً رد على سؤال "الحياة" بقوله:"لا وساطة وليعتذر الليبيون علناً أولاً قبل الحديث عن أي وساطة".
وفى اليوم التالي ـ السبت 12/6/2004ـ عادت "الحياة" إلى عرض الموضوع وذكرت تهديداً أميركياً من واشنطن لليبيا بأن تطبيع العلاقات بين البلدين قد يشهد انتكاسه إذا ثبت تورط العقيد القذافي في مخطط الاغتيال المزعوم. وقالت "الحياة" إن مسؤولين أميركيين أكدوا أن العامودي أدلى بإفادة متطابقة مع إفادة العقيد محمد إسماعيل المعتقل في المملكة العربية السعودية عن الخطة الليبية لاغتيال الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي.
ويبدو أن هذه الاعترافات قديمة لأن عبدالرحمن العامودي، وهو من أصل يمني أو سعودي، وكان يدير مؤسسة إسلامية في واشنطن، مقبوض عليه في الولايات المتحدة الأميركية منذ العام الماضي، وقصة الوساطة المصرية ترجع إلى شهر فبراير الماضي، وقصة الوساطة الأردنية ترجع إلى شهر أبريل 2004، ومع ذلك كله فإن المملكة العربية السعودية التزمت صمتاً غير مفهوم إزاء هذه الواقعة الخطيرة ـ إن صحت ـ فلم تنشر عنها كلمة، إلى أن نشرتها صحيفة نيويورك تايمز الأميركية يوم 10/6/2004.
وأياً ما كان وجه الحقيقة في هذه القصة فإن التدبير لاغتيال أي إنسان جريمة لا يقرها دين ولا قانون. وأي إنسان هنا تعني الإنسان معصوم الدم الذي ليس محارباً لنا ولا محتلاً لبلادنا لأن الجندي المحارب وجندي الاحتلال لهما حكم آخر غير حكم سائر الناس.
والأصل في القتل غيلةً أنه صورة من صور الحرابة، أو هذا هو الراجح من مذاهب الفقهاء. فإذا كان هذا القتل على نحو ما نشرت "الحياة" في 11/6/2004 قد خطط له بحيث يكون جزءاً من عملية انتحارية تستهدف جمعاً من الذين يؤدون صلاة عيد الفطر، فإن هذه الجريمة تكون جريمة حرابة بالإجماع لأنها تستهدف قتل قوم برءاء غير معينين عدواناً عليهم واستهانة بعصمة دمائهم واستخفافاً بالأمن الذي ضمنه الله تبارك وتعالى لعباده كافة، وللمصلين منهم خاصة.
وإذا كان ما ذكرته الصحف عن هذا التخطيط الليبي صحيحاً ـ وأرجو ألاّ يكون كذلك ـ فإن الجريمة يتضاعف إثمها، ويجب أن يتحمل وزرها من أمر بها وشارك فيها. والمؤامرة لقتل نفس جريمة في القانون الليبي كما هي جريمة في كل قانون آخر. ولا يعفي المتآمرين من وزر هذه الجريمة أن يكونوا موظفي دولة يأتمرون بأوامر رؤسائهم لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم:"إنما الطاعة في المعروف". وقتل الناس بغير ذنب منكر لاشك فيه، والعدوان على أمن المصلين منكر أكبر من القتل نفسه. ولا حجة لأحد في أن يخضع لسلطان المال ليشارك في مثل هذه الجريمة النكراء ـ كما ذكرت الصحف عن شخص مصري معتقل في المملكة العربية السعودية في سياق هذه المؤامرة ـ لأن المال لا يجوز أن يُكْسَبَ إلا من حلال وكل لحم نبت من حرام فالنار أولى به.
وهذه المؤامرة لا تليق بالدول وأجهزتها وزعمائها. نعم، قد يفعل مثلها زعماء العصابات الإجرامية التي تسمى بالمافيا، أو تجار المواد المحرمة من الأسلحة والمخدرات وأشباهها، لكن أن تتورط في هذا النوع من التخطيط الإجرامي دول وأجهزة مخابراتها فهذا مما لا ينقضي منه العجب!
وأن يكون ذلك واقعاً من دولة مثل ليبيا التي لم تضمد بعد جراحها من جراء قضية "لوكربي"، وقضية الطائرة الفرنسية، وقضية الملهى الألماني، وقضية أسلحة الدمار الشامل فإنه يدعو إلى عجب أكبر ودهشة أعظم، لأنه يدل على أن القوم ـ إن صح ما نسب إليهم ـ لم يستفيدوا من الدروس التي تلقوها مباشرة(!) ولم يغيروا من سلوكهم تغييراً حقيقياً، وأن ما يتظاهرون به يرمي فقط إلى كف اليد الباطشة الأميركية عن أن تصنع بهم مثل ما صنعته بالعراق المسكين الذي ذاق الأمرين تحت حكم صدام حسين ثم ها هو يذوقهما أضعافاً تحت الاحتلال الأميركي.
أكتب هذا وأنا أتمنى من صميم قلبي أن يكون النفي القاطع الذي قرره وكرره وزير الخارجية الليبي "عبدالرحمن شلقم" لكل ما نسب إلى ليبيا في هذا الأمر هو الصحيح. وأن يكون ذلك كله محاولة وقيعة وضيعة بين بلدين عربيين مسلمين، وأن يكشف العملاء