يعد الزلزال الذي وقع يوم الثاني عشر من يناير الماضي في هايتي، ودمر عاصمتها "بورت أو برنس"، أول اختبار لقدرة إدارة أوباما على الاستجابة لكارثة دولية، وهو ليس اختبارا عاديا بحال. ومعلوم أن هايتي هي أفقر دولة في نصف الكرة الغربي، حيث تمتلك بنية أساسية متداعية، وتكافح من أجل تحقيق الاستقرار حتى قبل أن تتعرض لأربعة أعاصير منذ ثمانية عشر شهرا. وعلى فترات منتظمة، يتحول عدم الاستقرار السياسي المتجذر في البلاد، إلى عنف واسع لم تنجح "بعثة الأمم المتحدة لتوفير الاستقرار في هايتي في كبحه إلا منذ فترة بسيطة. وتدشين عملية أخرى معقدة في هايتي كان بمثابة بناء على الأطلال، لأن المستجيبين لتلك الحملة وصلوا إلى بيئة تعج بالمشروعات غير المكتملة التابعة للعمليات الدولية التي جاءت قبلهم. والحقيقة أنه يصعب التعرف على دولة أخرى يوجد بها مثل العدد الحالي من قوات حفظ السلام، وعمليات تحقيق الاستقرار، وعمليات الاستجابة للكوارث... التي تعمل جنبا إلى جنب في هايتي منذ ثلاثة عقود. ومن هنا يجب بذل أقصى جهد لضمان أن لا يتحول الزلزال الأخير هناك إلى فرصة أخرى ضائعة. وقد ركزت الأمم المتحدة والولايات المتحدة في هايتي على تأمين أطقمهما التي تعمل في ظل ظروف صعبة، ثم العناية بعد ذلك بالإصابات الحرجة، وتنظيم عمليات الإخلاء واسعة النطاق. وقد عثر على المبعوث الخاص للأمم المتحدة في هايتي التونسي "هادي عنابي" تحت أنقاض مقر المنظمة في العاصمة الهايتية، وهو ما يعيد إلى الأذهان الطريقة التي لقي بها رئيس بعثة الأمم المتحدة في بغداد عام 2003 البرازيلي "سيرجيو فيرا دي ميلو" مصرعه خلال عملية إرهابية استهدفت مقر البعثة الأممية هناك. وبالإضافة إلى ذلك فإن الأخطار المتزايدة التي تواجه المدنيين العاملين في المناطق غير المستقرة، والتدمير الذي لحق ببنى الاستجابة الحالية، سوف يؤديان دون أدنى شك إلى مزيد من التعقيد لمهمة هي في الأصل مفعمة بالمصاعب والأخطار. وقد تعهد أوباما بتخصيص 100 مليون دولار لجهود إغاثة هايتي، وبحشد فرق الاستجابة للكوارث، والطائرات المروحية اللازمة لعمليات الإنقاذ، وطائرات النقل، وعدة آلاف من جنود المارينز. لكن الأهم من ذلك أن تدرك الولايات المتحدة وغيرها من الدول المشاركة في جهود الإغاثة، النطاق الكامل لتأثير الزلازل، حتى تستطيع حشد الاستجابة الملائمة، وذلك بدءا من التدفق المحتمل للاجئين، إلى عدم الاستقرار السياسي، إلى احتمال تفشي الأمراض والأوبئة، وانتشار أعمال العنف والجريمة في الشوارع. وعمليات الاستجابة المباشرة، يجب أن تأخذ في اعتبارها، ليس فقط الاحتياجات المباشرة لتخفيف المعاناة وإنقاذ الحياة، وإنما ينبغي أن تراعي كذلك تأثير الزلزال على المسار طويل الأمد للدولة الهايتية. والولايات المتحدة باعتبارها أكبر دولة مانحة، وجارة لهايتي في ذات الوقت، سوف تجد الجميع يتطلعون إليها من أجل تولي قيادة عمليات الإنقاذ وتخفيف المعاناة هناك. لذلك عليها ألا تدخر جهدا أو إمكانية لتحقيق ذلك، مستعينة بقدرتها الهائلة في مجال الاستجابة للكوارث، وضمنها عمليات الإنقاذ الجوي، والقيادة والسيطرة، والمساعدة الطبية، وإرسال فرق الاستجابة للكوارث. ويشار إلى أن مصادر الصليب الأحمر الدولي قد قدرت أن عدد المتأثرين بزلزال هايتي يمكن أن يصل في المجمل إلى ثلاثة ملايين نسمة. والمهمة هناك تواجه جميع التحديات التقليدية التي تواجه عمليات الاستجابة للكوارث الطارئة، والتي تترتب عليها خسائر هائلة، ومنها مثلا تسريع عملية الاستجابة للكارثة، وإرسال فرق البحث والإنقاذ، وإعادة خدمات المواصلات، والمرافق الأساسية كالمطارات، والطرق، والموانئ، والطوارئ الصحية. وتبدو أهمية هذه العمليات إذا ما أدركنا تاريخ هايتي الطويل كدولة هشة، حتى من قبل أن تعرضها للزلزال الأخير الذي بلغت قوته 7.0 درجة على مقياس ريختر، ومن أهم مظاهر هذه الهشاشة -على سبيل المثال- الافتقار للبنية التحتية، ومحطات المواصلات، وأجهزة الإدارة العامة، والرعاية الصحية، والشرطة العاملة، وأجهزة إنفاذ القانون... وهي أمور تزيد الصعوبات أمام عمليات الإنقاذ. ولعل عدم الاستمرار، وفقدان الاتساق، والافتقار إلى التنسيق... كسمات طبعت عمليات التدخل الدولي في مناطق الكوارث، كانت كلها أسباب لعدم فاعلية تلك العمليات. من هنا يمكن القول إن هشاشة هايتي الاقتصادية والاجتماعية وعدم استقرارها السياسي، تتطلب استجابة تمزج ما بين عمليات الإغاثة والتنمية، وجهود تحقيق الاستقرار. قبل وقوع الزلزال الأخير، تحدث المبعوث الخاص للأمم المتحدة في هايتي عن العقبات اللوجستية التي تواجه تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية التي كان مزمعاً عقدها في 28 فبراير الماضي ومدى أهميتها لاستقرار البلاد. لذلك فإن على الدول التي استجابت لنداء الاستغاثة، أن تقوم، بالإضافة إلى ذلك، ببحث تأثير الزلزال على المشهد السياسي في هايتي من أجل تحقيق استقرارها. الدروس المتعلقة بأعمال الشرطة، وحكم القانون، عقب الكوارث، والمستمدة من كوارث تسونامي الذي ضرب المحيط الهندي، وإعصار "كاترينا" في الولايات المتحدة، تمثل أولوية في الاستجابة لكارثة هايتي. فالتركيز الرئيسي لبعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في هايتي، خلال مرحلة ما قبل الزلزال، والذي كان ينصب على توفير الأمن وتوفير التدريب للشرطة الهايتية، كان من المحتم أن يتغير لينصبّ في الأيام التي تلت وقوع الزلزال مباشرة، إلى الاستجابة للطوارئ، رغم أن هذه البعثة قد يطلب منها العمل على تحقيق الأمن الذي ستتزايد الحاجة إليه في الشهور القادمة. ويجب على الولايات المتحدة أن تكون على استعداد لمساعدة "بعثة الأمم المتحدة لتوفير الاستقرار في هايتي" على القيام بمهمتها في حالة حدوث زيادة كبيرة في معدلات ارتكاب الجرائم، وهو ما يحدث عادة عقب الزلازل والكوارث بشكل عام. ورغم أن هذا الزلزال يمثل نكسة للعملية السياسية والاقتصادية في هايتي، فإنه يقدم لها في الوقت نفسه نافذة فُرصٍ. ففي مثل هذه الظروف عادة ما يفتح المجتمع الدولي صنابير التمويل لتتدفق منها الوعود والتعهدات. لكن المعيار الأساسي هنا هو ما إذا كانت تلك الوعود والتعهدات سوف تتبلور بالفعل خلال الشهور القادمة وتتحول إلى التزامات دائمة بتحقيق الاستقرار طويل الأمد في هذه الدولة المنكوبة. إن الرغبة في التحرك بسرعة "وعمل شيء ما" يجب أن يترافقا مع جهد لتحديد أفضل الفرص الممكنة لتأمين التزام أكثر اتساقا واستمرارا، بتحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي في هايتي. كارا سي. ماكدونالد ------- زميلة الشؤون الدولية بمجلس العلاقات الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "تريبيون ميديا سيرفيسز"