في القرآن الكريم قول الله تعالى:"إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقَتلُّوا أو يُصَلَّبوا أو تُقَطَّع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو يُنْفوا من الأرض، ذلك لهم خزي في الدنيا، ولهم في الآخرة عذاب عظيم. إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم" [سورة المائدة: 33-34].
والفقهاء يسمون الجريمة التي تشير إليها هاتان الآيتان باسم "الحرابة" المشتق من "الحرب". والذي ينظر في الصور التي تقع بها هذه الجريمة يجد الجامع بينها هو الاستخفاف بسلطات الدولة وسلطانها، والاعتداء على مفهوم الأمن الضروري لاستقرار الحياة الاجتماعية والاقتصادية، وهدم الحق في حرية التنقل والإقامة بإخافة الناس على أرواحهم وممتلكاتهم التي يستبيح المحاربون العدوان عليها ولو بلغ حد إزهاق الأرواح والاستيلاء على الأموال وإتلافها.
وقد اعتبر النص القرآني من يرتكبون هذه الجريمة "محاربين لله ورسوله" لأن الأمن في الأرض كلها نعمة من الله منحها عبادَهُ الذين أنشأهم من الأرض واستعمرهم فيها لينظر كيف يعملون، لا كيف يتقاتلون ويعتدي بعضهم على بعض! فالذي يعتدي على حق الناس في الأمن يهدم بناءً من السكينة والطمأنينة أمر الله تبارك وتعالى بالمحافظة عليه.
وحديث الناس في شرق العالم وغربه عن "الإرهاب"، وحيرتهم في تعريفه، يقتضي منا أن نبين أن الحكم الإسلامي الشرعي فيه هو ذلك الحكم الوارد في نص الآيتين (33) و(34) من سورة المائدة.
وأن ما يسميه الناس في اللغة المعاصرة للسياسة والإعلام والأمن "إرهاباً" نسميه نحن في لغتنا الإسلامية "حرابة".
وأن "الإرهاب" الموجه إلى البرءاء من الضحايا هو في حقيقته الفقهية والشرعية جريمة موجهة إلى الأمن الرباني، وإلى حفظه الذي تقوم به الدولة وأجهزتها وسلطاتها، ولذلك وصف القرآن الكريم المهدد له أو المعتدي عليه بأنه محارب لله ورسوله. وبسط هذا المعنى، وحُُسن بيانه للناس، كفيل بأن يصبح موقفهم من هؤلاء المحاربين موقفاً آخر غير الموقف الذي نراه الآن ونأسف لكثير من مظاهره.
فليس كل الناس راضياً عن نظم الحكم التي يعيش في ظلها، وبعضهم يبلغ به عدم الرضا أن يقبل أي عمل ـ ولو كان إجرامياً ـ ما دام يزعزع سلطان هذه النظم ويذهب بهيبتها ولو جزئياً.
وهؤلاء كلما حدثتهم عن "الإرهاب" حدثوك عن المظالم البيِّنة التي ترتكبها الحكومات، وعن نهب الأموال الذي يقع فيه ذوو الجاه والسلطان، وعن احتكار الثروات التي هي في الأصل حق الأمة وملك الناس كافة. فإذا أراد ذو عقل أن يكسب هؤلاء الغاضبين على نظم الحكم في بلادهم ضد "الإرهابيين" فإن عليه أن يضعهم في خانة لا يلتبس فيها العمل النابع من نقمة سياسية بالعمل الإجرامي الذي يعده الشرع الإسلامي حرباً لله ورسوله.
وقد يقول لك بعض المجادلين في شأن ما يجري على أراضينا من أعمال إجرامية يرتكبها هؤلاء المحاربون لله ورسوله:"دعهم والحكام فإن الله ينتقم من ظالم بظالم ثم ينتقم من كليهما".
وهذا منهج مغلوط، لأن الذي يصاب بآثار هذه الجرائم هم الأبرياء من المسلمين ومن غير المسلمين، ودماؤهم معصومة إلا بحقها، ويبقى الحاكمون حيث هم، بل إنهم ــ في كثير من الحالات ــ يزدادون قسوة وجبروتاً لأنهم يحاولون بكل الطرق اجتثاث هذه المجموعات من فوق الأرض والقضاء عليها وعلى قدرتها على الحركة الإجرامية أو على الاختفاء عن أعين رجال الأمن ومتابعتهم.
والعاقل لا يستطيع أن يقول: اتركوا مرتكبي الجرائم أحراراً فلا تقبضوا عليهم، ولا تحاكموهم، ولا تعاقبوهم حتى تسقط الأنظمة التي لا نرضى عنها ثم بعد ذلك نحاسب المجرمين ونعاقبهم(!) إذ معنى هذا أن نمكن لعصابات الإجرام في الوطن، ونملكهم رقاب الناس إلى ما شاء الله ثم لا يضمن أحد شيئاً.. لا زوال النظم الحاكمة التي يكرهها الناس ولا القدرة على محاسبة أولئك المجرمين إذا ورثوها هم بعد زوالها!
يدفعني إلى هذا الحديث كله ما يجري على أرض المملكة العربية السعودية من أعمال ضد الإنسانية يقوم بها هؤلاء المحاربون لله ورسوله تحت مزاعم شتى لا يثبت زعم واحد منها على النقد ولا يقبل زعم واحد منها في صحيح العقل. ولأن المملكة جزء من العالم المعاصر فقد استسهلت وسائل إعلامها وتصريحات مسؤوليها وصف هؤلاء المحاربين باسم "الإرهابيين" ونَعْتَهم بأنهم "الفئة الضالة". وكلا الوصفين خطأ. فالإرهاب ترجمة للكلمة الأجنبية Terror ومشتقاتها، والضلال وصف ديني يتعلق بالعقيدة وصحتها أو فسادها. ونحن مع هؤلاء لسنا هناك ولا هنا.
نحن نواجه "محاربين" بالمعنى الفقهي الإسلامي المتفق عليه بين المذاهب كافة. وهم مجرمون فَرَضَ الإسلام لهم أقسى عقوبة فرضها لجريمة من الجرائم. ونص عليها في القرآن الكريم حتى لا يبقى باب الجدل والخلاف فيها مفتوحاً للناس. ويجب علينا ألا نخجل من المصطلح الإسلامي، بل ويجب علينا أن نشيعه ونذيعه ونستمسك به ونقدمه للعالم كله على أنه الاسم الصحيح لما يطلقون عليه "الإرهاب"؛ ونقرر عقوبته القرآنية