malmilfy@gmail.com تتفتق الذهنية الإسرائيلية باستمرار على أفكار حديثة لصناعة "أبطالُنا"، بطرق لا تستطيع عقول الدهماء من العرب والمسلمين استيعابها، وربما يساعد في رواج هذه الأفكار انطلاؤها على بعض النخبويين في العالمين!، ما يجعل غالبيتنا تنساق بطريقة تجعل ردود أفعالنا تحقق الأهداف المرجوة من هذه الأفكار. ويثبت هذا أيضاً أن عدونا استطاع أن يُسيرنا وينفذ خططه تجاهنا بعد معرفته التامة بطريقة تفكيرنا القائمة على العاطفة الجياشة والحماسة المتهورة، ما سهل عليه كثيراً في توفير الوقت والجهد معاً لأداء مهمته بإتقان غير مسبوق!. بين فينة وأخرى تبث إسرائيل أخباراً عبر صحف غربية في الغالب، وتكون هذه الأخبار مثار جدل بيننا، فمثلا ينشر في إحدى الصحف خبراً عن أحد الرؤساء بأنه من أصول يهودية، رغم أن التصريحات "المعلنة" لهذا الرئيس توحي بعكس ذلك، لما فيها من تهديد ووعيد لذلك الكيان المحتل لأرض عربية جعل منها قضية إسلامية، ما يجعل المتلقي المتحمس للقضية مشككاً دائماً في مثل هذه الأطروحات التي ينظر لها أنها مبالغات! ومن آخر مساعيها الإخبارية للصيد في الصحاري العربية والجبال الإسلامية، ما نشرته إحدى الصحف الفرنسية يوم الجمعة الماضي كشفت فيه عن تمويل تقدمه وزارة الخارجية الإسرائيلية للمعهد الوطني الهندي للبحوث في مدينة مومباي لإجراء بحث حول التأكد من الجذور اليهودية لحركة "طالبان"، وما يتبع بعد إثبات هذه الحركة أنها من أصول يهودية، وذلك لأن هذه الحركة الطلابية تتكون من أفراد ينتمون بمجملهم إلى قبيلة البشتون المفترض أنها من القبائل اليهودية العشر المفقودة حسب المزاعم الإسرائيلية، وينتشر أفراد قبيلة البشتون بين باكستان وأفغانستان!، وهذا ما يُفهم من قراءة الخبر بالطريقة الطبيعية له. إلا أنني أرى أن الهدف الإسرائيلي ليس طمعاً في ضم تلك القبيلة وأفرادها المنتشرين بين الجبال الحدودية الوعرة في منطقة وزيرستان الباكستانية، وما يقابلها على الأراضي الأفغانية، فهذا الهدف ليس هو المقصود تحقيقه من نشر مثل هذا الخبر، وإظهاره بطريقة التسريب، أي أنه ليس برغبة الإسرائيليين، وإنما رغماً عنهم تسربت هذه المعلومات لتلك الصحيفة!، ما يُفسر في عالمينا العربي والإسلامي على أن إسرائيل تريد ممن يقرأه أنه محاولة منها لتشويه صورة "طالبان"، ويعني هذا في الذهنية الإسرائيلية وفكرها السياسي حسب ما اكتشفته في دهاليز جماجمنا، وشعاب عقولنا التي أتقنت التعامل معها، أنها "صناعة بطل"، لأننا نرى أن كل من تحاول إسرائيل التقرب منه، وهو يعلن عداءه لها، أنها تحاول تشويه صورته في أنظارنا، وفي الحقيقة هي تنفخ في هذه الصورة وتضخمها في عيون أبناء مجتمعها، ليس حباً فيها بالطبع، ولكن لغرض في نفس أحفاد يعقوب!. المجتمع الباكستاني من أشد المجتمعات في العالم كرها لإسرائيل، ولما تملكه الدولة الباكستانية، من إمكانيات عسكرية ومدنية تجعل منها قوة إسلامية موازية من المنظور الاستراتيجي لما تملكه إسرائيل، جعل منها هدفاً للدولة العبرية، ورعاتها في العالم، لأنهم يعلمون أن الحكومات مهما تم التنسيق معها، فهي متغيرة لا محالة، ولكن المجتمعات باقية وهي من تنتج قيادييها، وما يخيفهم أكثر في المجتمع الباكستاني هو بقاؤه على ثوابته الدينية التي تأسست عليها دولته، ونظرته الحذرة باستمرار تجاه جارته الهند الحليف الجديد لإسرائيل. تسعى إسرائيل بشكل دؤوب لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسلام باد وكان آخرها المعلن ما عبر عنه عبدالله حسين المندوب الدائم لباكستان في الأمم المتحدة في شهر يناير من العام الماضي، الذي أكد هذه المساعي من طرف إسرائيل، وسبق هذا التصريح للسفير الباكستاني لقاء جمع وزير خارجيته بنظيره الإسرائيلي في تركيا عام 2005 على هامش مؤتمر يشمل غيرهم. ولهذا كله من وجهة نظري تنفخ إسرائيل، وتسعى جاهدة لتضخيم حركة "طالبان" في عيون أفراد المجتمع الباكستاني، لكي تزداد شعبية الحركة، ما يجعل عناصرها يرفعون من مستوى تجبرهم واندفاعهم المسلح كـ"أبطال" ضد الجيش الباكستاني الذين أصبحوا يرونه العدو القريب متناسين أن مهمته الأولى هي حفظ استقرار الدولة واستتباب أمنها، ومن هذه الزاوية "الجهنمية"، تزداد الحرب سعيراً لا تنطفئ له جذوة، إلى أن تتفكك البلاد ويتفرق العباد!، وهنا يكمن هدف إسرائيل الحقيقي. كما يمكننا النظر إلى تاريخ العداء الباكستاني لإسرائيل منذ مرحلة تأسيسها، الذي عارضت عليه إسلام أباد بشدة عام 1948 في أروقة الأمم المتحدة، حين كانت إسرائيل تسعى للاعتراف بها كدولة. وهنا يجب التوقف ملياً عند تصاعد الهجمات الإرهابية على الأراضي الباكستانية، وضد أمن مواطنيها وإنْ كان منفذوها من أبنائها، والذي يفسر من وجهة نظري على أنه نوع من الضغط على باكستان، وإنْ بشكل غير مباشر، لكي ترضخ للمطالب المتعددة، وعلى رأسها الترسانة النووية التي ينظر لها في الغرب على أنها "قنبلة إسلامية" يجب تفكيكها، وكذلك إقامة العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل!، وإلا ما تفسير أن يجرى هذا البحث في معهد هندي، والمعروف أن الهند هي الجار "اللدود" لمجمل الشعب الباكستاني، ويصعب على طبيعته وتركيبته الدينية، والاجتماعية تقبل مثل هذا الأمر، وتناسي ما تراكم في التاريخ من الحروب بين البلدين التي أبقت العلاقات الدبلوماسية متوترة بينهما إلى الآن.