يعتبر قرار الرئيس أوباما عدم طلب مساعدة الكونجرس في وضع معايير قانونية ملائمة لاستمرار اعتقال سجناء جوانتنامو فشلاً قيادياً في تصحيح مسار تطبيق القانون الأميركي في إطار المواجهة البعيدة المدى مع الإرهاب. ولاشك أن ذلك الفشل يضر كثيراً بمصالح بلادنا وبأمنها القومي، بل بالحريات المدنية نفسها. كما يمثل ذلك القرار غير المناسب تبنياً كاملاً لسياسات إدارة بوش السابقة في هذا المجال، وخاصة أن إدارة بوش كانت قد رفضت تأسيس سياسات الاعتقال على نص قانوني أميركي واضح أجيز من قبل المشرعين. وفي الوقت نفسه لم يتعلم أوباما شيئاً يذكر من نقض أحكام المحكمة العليا المتكرر لهذا النهج الأحادي. ويتعارض هذا الفشل مع ما صرح به أوباما في ربيع العام الحالي من إبداء استعداد للتعاون مع الكونجرس من أجل تطوير نظام تشريعي مناسب حتى ينسجم العمل والجهود المبذولة في مواجهة الإرهاب مع قيمنا ودستورنا. وبسبب هذا الفشل الرئاسي يجد القضاء الأميركي نفسه في مواجهة اختبار صعب للغاية، لاسيما رئيس المحكمة العليا الأميركية. ولعل خط الدفاع الوحيد المتاح لأوباما في تبرير هذا الفشل هو وعد قلة من الساسة الأميركيين بأن يكونوا شركاء له في حال انتهاجه للسياسات الصحيحة. فمن ناحيتهم يخشى ناشطو حقوق الإنسان ودعاة الحقوق والحريات المدنية إضفاء شرعية قانونية على سياسات الاعتقال التحفظي، مع العلم أن نشطاء هاتين الفئتين اعتبروا قرار أوباما الخاص بإغلاق سجن جوانتنامو انتصاراً لجهودهم التي ظلوا تبذلونها في شجب سياسات الاعتقال طوال السنوات الثماني الماضية لإدارة بوش. هذا ولا يبدو أن الكونجرس، من ناحيته، يمارس الدور القيادي المطلوب منه في مثل هذه القضايا والحالات. فـ"الجمهوريون" لا يكفون من الانشغال بشن الهجوم على قرار أوباما الرامي لإغلاق سجن جوانتنامو ومجمل سياساته. وبذلك نسي "الجمهوريون" من أعضاء الكونجرس أن لهم دوراً إيجابياً وبناءً يتعين عليهم أن يؤدوه في هذا المشروع التشريعي المهم لأمن بلادهم ومصالحها وصيانة حرياتها المدنية في مواجهة الإرهاب. وأما "الديمقراطيون" فهم يخافون حتى من ظلهم في القضايا ذات الصلة بالأمن القومي، وتراهم يتخفون دائماً وراء أقانيم الحريات المدنية المثالية التي لم يعد الكثيرون يؤمنون بها أصلاً. ولا يبدي أعضاء الكونجرس من كلا الحزبين مواقف صلبة وشجاعة إلا حين يصل الأمر إلى ضمان عدم ترحيل أي من معتقلي سجن جوانتنامو إلى ولاياتهم ودوائرهم الانتخابية. ولكننا نعود للقول إن الرئيس هو أوباما، وإن الرؤساء يخوضون الحرب عادة بدعم الكونجرس وعون المجتمع المدني الفعلي الذي يقف من خلفهم، وليس بدعم كونجرس ومجتمع مدني مثالي لا وجود لهما إلا في مخيلاتهم. وعليه نستنتج أن قرار أوباما المذكور أعلاه ستكون له عواقب عديدة جميعها ضارة وسيئة. أولاها، أن القرار لن يوقف حاجة بلادنا لاعتقال المشتبه فيهم بارتكاب جرائم الإرهاب. غير أنه يؤكد استمرار الضبابية القانونية المحيطة بسياسات الاعتقال، إلى جانب تعقيده لنشاط الوكالات التي تقع عليها مهمة القيام بعمليات محددة في المناطق المعنية. كما تؤثر هذه الضبابية القانونية سلباً على عمليات اغتيال قيادات وعناصر الإرهاب المستهدفة، وعلى الاعتقالات التي يقوم بها حلفاؤنا بالوكالة، وخاصة أن هؤلاء ليسوا بحاجة لقضاء ثماني سنوات من أجل تحييد عدو مشتبه به مثلما فعلنا نحن. أما العاقبة الثانية فتتلخص في أن ضبابية القوانين المحيطة بالاعتقال ستبقي على مراجعة قضائية لأوضاع معتقلي جوانتنامو لن تخدم مصالح المعتقلين ولا مصالح الأمن القومي الأميركي. فالمراجعة الجارية الآن على أساس التقاضي العادل أمام المحاكم لا تخدم الحكومة كثيراً بسبب عدم استقرار المعايير القانونية التي تقوم عليها، بينما لا تصلح البينات التي جمعت لأغراض استخبارية من المعتقلين ذات يوم في تبرير اعتقالهم لعدة سنوات لاحقة. ثم إن تغيير القوانين يخلق حالة غير مريحة للقضاة المكلفين بالنظر في تلك القضايا. كما تؤثر هذه المراجعة سلباً على المعتقلين أنفسهم بالنظر إلى بطء إجراءاتها المؤلم. وفوق ذلك فهي لا تعطي المتهم فرصة أخرى للدفاع عن نفسه في حال خسارة المحاكمة التي يقدم إليها. على عكس ذلك تتضمن قوانين الاعتقال الطويل المدى مراجعة منتظمة وإشرافاً قانونياً مستمراً على أوضاع المعتقلين. وبذلك تتاح للمعتقلين فرص أوسع لإقناع السلطات بأنهم لم يعودوا يمثلون خطراً على الأمن القومي، ما يسمح بإخلاء سبيلهم في وقت أقصر. وأما الثالثة فهي أن فشل الرئيس في الحصول من الكونجرس على التشريعات اللازمة للاعتقال يعني أن يتولى القضاة سن تلك القوانين. والملاحظ حتى الآن هو أن العديد من القضاة الذين نظروا في قضايا ترافع المعتقلين المتهمين بارتكاب جرائم الإرهاب، أبدوا اعتراضهم على الكثير من الحالات التي تظل في انتظار المحكمة العليا كي تبت فيها. وبسبب انقسام المحكمة العليا على نفسها أيديولوجياً حول تلك القضايا، فإن من المرجح أن تأتي أحكامها عوجاء في تلك القضايا. وفي ذلك خسارة للقانون وللحريات المدنية وللأمن القومي معاً. وعليه يبقى السؤال: هل من الأفضل لبلادنا أن يترك القرار الخاص بهذه المسألة السياسية الشائكة لنزوة قيصر سجان واحد لم ينتخبه أحد، أم نطلب من الكونجرس أن يحدد لأميركا متى يحق لها اعتقال المشتبه فيهم في جرائم الإرهاب، وعلى أي أساس وبموجب أي حقوق للسجان والمعتقلين على السواء؟ إن على أوباما واجب الإجابة عن هذا السؤال، وإلا فهو يفضل البقاء في قفص سياسات نائب الرئيس السابق ديك تشيني. بنيامين وايتس زميل رئيسي بمؤسسة "بروكنجز" وعضو اللجنة المكلفة بمهام الأمن القومي في مؤسسة "هوفر" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"