لا يعدم الاقتصاد الأميركي حصته من الأخطار والتهديدات التي تحفه من كل جانب، فقد بلغت نسبة البطالة مؤخراً أعلى أرقامها منذ أكثر من خمسة وعشرين عاماً، ومن المتوقع أن تواصل ارتفاعها إلى مستويات أكبر، بل تزايدت المخاوف من أن الاقتصاد حتى لو استعاد عافيته سيبقى شبح البطالة مخيماً على فئات واسعة من الشعب الأميركي دون أمل في تحسن قريب للوضع الاقتصادي؛ ولا ننسى أيضاً حجم ديوننا الذي لم يعد قابلا للاستمرار بالطريقة الحالية، كما أن تدخل الحكومة الفيدرالية في القطاع الخاص بلغ حداً غير مسبوق. ورغم كل ذلك تفضل وسائل الإعلام الوطنية الانغماس في النميمة السياسية التي تغذيها أمور شخصية بدل الانتباه إلى خطورة أوضاعنا الاقتصادية والتحديات الجسيمة التي نواجهها في هذه المرحلة، لذا أخشى أني سأصدم قليلا محترفي النميمة السياسية بتوضيح بعض أهم الأولويات التي تشغل بالي وأعتقد أنها أجدر بالاهتمام والدراسة. الحقيقة أني منشغلة جداً بخطة الرئيس أوباما الخاصة بالطاقة التي يسعى من خلالها إلى تحديد سقف لانبعاث الغازات وبيع الرخص التي تسمح بذلك، فأنا أرى بأن الخطة تمثل تهديداً حقيقياً للاقتصاد لما ستلحقه من أضرار بالغة بجهود الإنعاش الاقتصادي المبذولة حالياً، وذلك على المديين القصير والبعيد. ولنتذكر أن الازدهار الأميركي كان دائماً مدفوعاً بتدفق الإمدادات الثابتة والمستقرة للطاقة، تلك الإمدادات التي حافظت على وفرتها وسعرها المقبول لفترة طويلة؛ ونحن في ألاسكا على وجه الخصوص نعرف جيداً العلاقة المتأصلة بين الطاقة والازدهار، بين الطاقة والفرص، وبين الطاقة والأمن، والنتيجة أن العديد منا في هذه الولاية الشاسعة والغنية بموارد الطاقة يدرك أن مقترح أوباما بشأن الطاقة سيؤثر سلباً على الكثير من جوانب الاقتصاد الأميركي. ومع أننا نقر بضرورة إصلاح سياساتنا في مجال الطاقة والتقليل من اعتمادنا على المصادر الأجنبية في ظل الزحف المتزايد لدول العالم نحو التصنيع والتنافس المتنامي على موارد الطاقة، إلا أن الجواب على كل تلك التحديات لا يكمن في خنق مصادرنا، أو زيادة كلفتها على الصناعات الأميركية والمستهلك العادي. ولمن يفهم قضية الطاقة المطروحة حالياً للنقاش العام يعرف أنه باستطاعتنا الموازنة بين احتياجاتنا من الطاقة والتحديات البيئية دون الإضرار بالاقتصاد الأميركي، ويبدو أن فقدان الوظائف بموجب الاقتراح الحكومي الجديد المتعلق بالطاقة أصبح مؤكداً ولا يمكن إخفاؤه إلى درجة أن المقترح يتضمن بنداً واضحاً ينص على استيعاب العمال الذين سيحولون إلى البطالة بسبب المتاعب المرتقبة لقطاع الطاقة وذلك بتخصيص 4.2 مليار دولار على مدى الثماني سنوات القادمة لهذا الغرض، فهل نحتاج إلى دليل آخر على فشل المقترح وعدم صلاحيته؟ وبالإضافة إلى البطالة المرتفعة التي سيسجلها قطاع الطاقة ستواجه العديد من الوظائف الأخرى صعوبات كبيرة بسبب التكلفة العالية التي ستتكبدها الشركات لتأمين فاتورة الطاقة بموجب المقترح الجديد الذي يطرحه أوباما، فعلى سبيل المثال سترتفع تكلفة الزراعة لتتراجع مداخيل القطاع ما سيؤدي إلى زيادة أسعار المواد الغذائية في المحلات، ناهيك عن ارتفاع تكلفة التصنيع والتخزين والنقل التي ستؤثر على المستهلك الأميركي. ولعل أكثر من سيتضرر بهذه الخطة وتداعياتها هم الأميركيون البسطاء الذين يحاولون أصلا الاستمرار في ظل هذه الظروف الاقتصادية الصعبة، وكما عبر عن ذلك الرئيس نفسه سترتفع فاتورة الكهرباء بالنسبة لهؤلاء الأميركيين "على نحو صاروخي"، وهو ما يفسر دعوة الرئيس لفرض ضرائب على من يفوق دخلهم 250 ألف دولار في العام. وحتى المستثمر البارز وأحد أشد مؤيدي أوباما، وارين بافت، اعترف أنه بموجب مقترح قانون الطاقة الجديد "سيضطر الناس إلى دفع أكثر مقابل الكهرباء"، لذا لا بد من التحرك في اتجاه مغاير تماماً لأنني أعتقد بأنه بإمكاننا الجمع بين النمو الاقتصادي الضروري لخلق الوظائف وبين تحقيق الاستقلال في مجال الطاقة وخفض اعتمادنا على الخارج فقط لو قمنا باستغلال الموارد الكثيرة التي حبانا الله بها دون أن يعني ذلك المس بسلامة البيئة. ففي ألاسكا نعمل حالياً على تنفيذ أحد أكبر مشاريع الطاقة التي يشرف عليها القطاع الخاص من خلال أنبوب نقل الغاز الطبيعي الممتد على مسافة ثلاثة آلاف ميل لنقل مئات التريليونات المكعبة من الغاز الطبيعي إلى الأسواق المتعطشة لذلك في جميع أنحاء أميركا، ويمكننا أيضاً التنقيب عن النفط في السواحل الأميركية واستغلال ما يناهز ألفي هكتار من محمية القطب الشمالي للحياة البرية إذا حصلنا على موافقة واشنطن. وبالطبع ليست ألاسكا المصدر الوحيد للطاقة في أميركا، حيث العديد من الولايات الأخرى تتوفر على كميات مهمة من الفحم الحجري الذي أصبح استغلاله بشكل نظيف في المتناول بفضل التكنولوجيات الجديدة، كما أن المناطق الغربية تجلس فوق جبال من الغاز الطبيعي والنفط وتستطيع الولايات الأخرى الاتجاه إلى الطاقة النووية. والحقيقة أننا أمام سؤال واضح علينا حسمه، فهل نريد السيطرة على إمدادات الطاقة والتحكم في تداعياتها البيئية؟ أم نريد تعهيد تلك المهمة إلى الصين وروسيا والسعودية؟ وحتى لا نخدع أنفسنا لم يعد خافياً أن أوباما استقر على الحل الأخير، وفي المقابل هل تستطيع أميركا إنتاج المزيد من احتياجاتها للطاقة وإنعاش الاقتصاد وحماية أمننا من خلال استثمارات استراتيجية؟ أجل نستطيع، لكن ليس في ظل قانون الطاقة الذي يسعى أوباما إلى إقراره. ------ سارة بالين حاكمة ولاية ألاسكا التي استقالت قبل أسبوعين ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"