هل عقدت حكومة إسلام آباد العزم أخيراً على استئصال حركة "طالبان"، بعد سنوات من التردد إزاء خطوة حاسمة كهذه؟ يبدو هذا الاحتمال وارداً الآن. فهذه هي المرة الأولى التي يشن فيها الجيش الباكستاني حملة هجومية كبيرة على مقاتلي الحركة وغيرهم من عناصر الجماعات المتطرفة المتمركزة في جنوبي وزيرستان منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر. وتجدر الإشارة إلى أن المحافظة المذكورة معروفة بأنها تمثل إحدى مناطق القبائل السبع الواقعة على الشريط الحدودي الفاصل بين باكستان وأفغانستان. وتأتي هذه الحملة في أعقاب ثمانية أسابيع متواصلة من الهجوم المستمر على مقاتلي حركة "طالبان"، بهدف استئصال الحركة كلها من وادي سوات، حيث يقول الجيش الباكستاني إن قواته تمكنت من قتل 1500 من مقاتلي الحركة، مقابل مصرع 134 من ضباطه وجنوده. لكن ومع ذلك، لا تزال الحاجة قائمة للانتظار لبعض الوقت كي نرى ما إذا كان في مقدور الحكومة وضع حد للدعم الطويل المدى الذي ظل يقدمه الجيش للحركة وعناصرها. وكنت قد أجريت لقاءات صحفية مع عشرات اللاجئين الهاربين من جحيم المواجهات المسلحة بين قوات الجيش ومقاتلي الحركة في وادي سوات- وقد فر معظم اللاجئين إلى ضاحية "ماردان" الصغيرة الواقعة في تلك المحافظة الشمالية الغربية الحدودية- وأكد لي الكثيرون منهم عدم رغبتهم في العودة إلى بيوتهم وديارهم التي فروا منها ما لم يتمكن الجيش من استئصال شأفة "طالبان" هناك. وقال لي أحد الفارين من ضاحية "منجورا" في وادي سوات: لطالما رأينا الجيش وهو يلعب الألاعيب مع حركة "طالبان" لمدة عامين كاملين، بينما تذيع إذاعتها التي تبث من هناك رسائل الحقد والكراهية. بل سمح الجيش لعناصر الحركة بترهيبنا طوال هذه الفترة. وعليه فلن نعود إلى بيوتنا ما لم نتأكد من مقتل جميع قادة "طالبان". ومما يزيد من قلق لاجئي وادي سوات، الضغوط التي تمارسها عليهم الحكومة بهدف إرغامهم على العودة إلى قراهم وديارهم على الرغم من عدم تمكن الجيش من قتل أي من قادة "طالبان" طوال الحملة التي شنتها قواته على الحركة خلال الأسابيع الثمانية الماضية، بدعوى فرار جميع القادة. وكان الجنرال أشفق كياني قد صرح في الخامس عشر من شهر يونيو المنصرم قائلاً إن زعماء حركة "طالبان" لا يقاتلون من أجل الإسلام، وإنه تجب إبادة حركتهم. يذكر أن الجيش قد نشر قواته مؤخراً في إقليم وزيرستان الجنوبي، حيث يعتقد أن بيت الله محسود -رئيس المجلس الحاكم لحركة طالبان الباكستانية- إلى جانب عدد من قادة حركة طالبان الأفغانية وتنظيم "القاعدة"، يختفون هناك. ولعل هذه أنباء سارة تحمل على التفاؤل. غير أن على الجيش أن يتخذ مساراً مغايراً لنهجه السابق مع الحركة. فمنذ عام 2005 شن الجيش الباكستاني وأجهزة الاستخبارات التابعة له حملات هجومية دورية على حركة "طالبان"، في مناطق الشريط الحدودي الفاصل بين باكستان وأفغانستان. ولكنه كان يتراجع في نهاية الأمر ليخوض المفاوضات ويبرم اتفاقات وقف إطلاق النيران مع قادتها ومقاتليها. أما في المحافظة الحدودية الشمالية الغربية -وهي منطقة القبائل المستقلة ذاتياً على رغم خضوعها للإدارة الفيدرالية- فقد عجز الجيش عن حماية زعماء وأعيان القبائل الموالين للحكومة. وبالنتيجة، أعدم مقاتلو "طالبان" وتنظيم "القاعدة" ما يزيد على 300، بينما هرب المئات مع أسرهم وأطفالهم من المنطقة كلها خوفاً على حياتهم. وقد مكن الفراغ الذي تركه الزعماء القبليون التقليديون -الذين يمثلون سنداً قوياً للوسطية والاعتدال الإسلاميين، ويساعدون في الحفاظ على ثقافة البشتون وتقاليدهم وعاداتهم- مقاتلي حركة "طالبان" من تمديد نفوذهم وسيطرتهم إلى المنطقة كلها. وعلى رغم أن حماية المواطنين كافة -خاصة الموالين منهم للحكومة- تعد في مقدمة أولويات أي نشاط لمكافحة التمرد، فإن قوات الجيش فشلت عملياً في القيام بهذا الواجب في المنطقة الحدودية المذكورة آنفاً. ولن يكون في وسع هذه القوات تكرار الفشل نفسه، وهي تشن الآن هجوماً كبيراً على عناصر التطرف والتمرد في جنوبي وزيرستان. والحق، أن الهجوم الذي شنه الجيش على هذه المنطقة له أهمية كبيرة بالنسبة للأمن العالمي كله، لكونها ملاذاً آمناً لتنظيم "القاعدة" وعدد آخر كبير من الجماعات المتحالفة معه. غير أنه لن يكون مهمة عسكرية سهلة بأية حال. فهذه المنطقة الجبلية الوعرة تفتقر إلى بنية الطرق الأساسية وغيرها من العوامل المساعدة على رفع فعالية القتال وتحرك القوات. والأسوأ من ذلك كله أنها تقع الآن تحت سيطرة العدو من مقاتلي "القاعدة" و"طالبان" وغيرهما من التنظيمات المتطرفة. والمتوقع هذه المرة أن يشارك الجنود النظاميون في الحملة، في حين تؤدي القوات الأميركية المنتشرة في الجانب الأفغاني من الشريط الحدودي دور إغلاق الطرق ومنع متمردي الحركة من الهرب إلى داخل أفغانستان. ولكن يتوقع من جانب مقاتلي الحركة وحلفائها اللجوء إلى فتح جبهات جديدة أخرى لتشتيت الجهود الحربية التي تستهدفهم، ربما يكون هدفها البنجاب أو تنفيذ عمليات انتحارية عديدة في المدن الباكستانية. على أن سلوك الجيش الباكستاني إزاء حركة "طالبان" الأفغانية، سوف يمثل عاملاً رئيسياً من عوامل نجاح أو فشل الحملة الحالية التي يشنها على "طالبان" الباكستانية. فعلى إثر الإطاحة بحكومة "طالبان" الأفغانية، منح نظام الجنرال برويز مشرف حق اللجوء لقادة الحركة والآلاف من مقاتليها إلى باكستان. وبفضل القواعد وإمكانات التجنيد والتدريب والتسهيلات اللوجستية التي توافرت لهذه العناصر في باكستان، تمكنت الحركة من إعادة بناء صفوفها منذ عام 2003، وهي تفرض سيطرتها اليوم على أجزاء واسعة في جنوب وشرقي أفغانستان. وعلى رغم وجود نحو 100 ألف من الجنود الأميركيين وقوات "الناتو"، فإن "طالبان" الأفغانية تمكنت من زيادة هجماتها وعملياتها بنسبة 59 في المئة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. كما شهد أسبوع واحد في منتصف شهر يونيو المنصرم وقوع ما يزيد على 400 هجوم من عناصر الحركة، وهو يعد رقماً غير مسبوق على الإطلاق منذ الغزو الأميركي لأفغانستان أواخر عام 2001. وعليه فإن استئصال الحركة في جانبيها الأفغاني والباكستاني، يتطلب إرادة سياسية عسكرية في الأساس. وهو ما يجب أن تدركه واشنطن وإسلام آباد وقوات "الناتو" معاً. أحمد رشيد صحفي باكستاني وزميل بالمجلس الباسفيكي للسياسات الدولية. مؤلف كتاب "الانزلاق إلى الفوضى: الولايات المتحدة الأميركية وكوارث باكستان وأفغانستان وآسيا الوسطى" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"