أكثر من 19 مليون شخص يعيشون في مومباي وضواحيها، لكن الأمر لم يتطلب سوى عشرة رجال لإغلاق المدينة وبث الذعر في أركانها. فمع أن منفذي الهجمات الإرهابية التي ضربت مومباي في الأسبوع الماضي لم يزيدوا عن بضعة رجال مسلحين فقط برشاشات وقنابل يدوية، إلا أنهم قتلوا أكثر من 170 شخصاً وأغلقوا الجامعات والشركات، فضلًا عن سوق الأسهم المحلية، كما ألحقوا ضرراً بالغاً باقتصاد بلد يفخر أن لديه ثالث أكبر جيش في العالم وبامتلاكه لجهازي شرطة واستخبارات يحظيان بتقدير دولي- لا أحد منهما استطاع تجنب الهجمات. فهل يبدو الأمر مألوفا؟ بالتأكيد لأنه يذكرنا بهجمات 11 سبتمبر عندما تسبب 19 رجلاً مسلحين فقط بشفرات صغيرة في قتل ثلاثة آلاف شخص، كما يذكرنا بعملية مدريد في العام 2004 التي استهدفت شبكة القطارات وأودت بحياة 191 شخصًا، بالإضافة إلى تفجيرات قطارات الأنفاق في لندن خلال2005 التي سقطفيها 52 قتيلاً. وفي جميع تلك الهجمات، كان المسؤول مجموعة صغيرة من الأشخاص استخدموا جميعاً أسلحة خفيفة وتكنولوجيا بسيطة، لكنهم مع ذلك تسببوا في أضرار نفسية واقتصادية جسيمة، وخسائر فادحة في الأرواح، رغم حدوثها في بلدان تملك قوى أمنية متطورة. والواقع أنه علينا التعود على ذلك لأن هجمات مومباي تذكرنا أيضاً بعملية "تيموثي ماكفيل" وتفجيرات أوكلاهوما في العام 1995 التي أوقعت 168 قتيلًا، دون أن ننسى قناص العام 2002 الـذي استهدف المنطقة المحيطة بالعاصمة واشنطن، حيث تمكن رجلان من قتل عشرة أشخاص وأطلقا موجة من الذعر بين السكان إلى درجة أن الناس توقفوا عن الخروج من منازلهم للتسوق، وأخيراً حادثة إطلاق الرصاص بجامعة فيرجينيا في العام 2007 وسقوط 32 قتيلا على يد رجل واحد. وفي كل تلك الهجمات لم يكن المنفذون ينتمون إلى الحركات الإسلامية المتشددة، حيث كان "ماكفيل" متطرفا يمينيا أبيض، فيما كان قناص واشنطن أميركيا أفريقيا وأحد المحاربين القدامى الذي جر وراءه مراهقاً أقنعه بأفكاره، أما قاتل جامعة فيرجينيا فكان طالباً مضطرباً نفسياً ينحدر من أصول آسيوية. وفيما عدا الغضب والرغبة في القتل والتسبب في الألم والذعر، وهو ما نجحوا فيه بالفعل، لا يوجد أي قاسم مشترك بينهم. وإذا كنا عاجزين عن وقف حوادث إطلاق النار في مدارسنا يقدم عليها مراهقون مشوشون، فعلينا ألا نتوقع أداءا أفضل لوقف إرهابيين تحركهم دوافع أيديولوجية، إذ كلما ابتعد الأرهابيون عن التكنولوجيا المتطورة وركنوا إلى البساطة صعب التصدي لهم وتجنب هجماتهم. ولعل ذلك ما أكدته لجنة منع انتشار سلاح الدمار الشامل والإرهاب في الكونجرس الأميركي يوم الأربعاء الماضي عندما توقعت أن "يلجأ الإرهابيون إلى أسلحة الدمار الشامل، لا سيما السلاح البيولوجي لتنفيذ هجمات في مكان ما من العالم مع نهاية العام 2013". ورغم أخذي لهذا التحذير على محمل الجد، إلا أني أتساءل أيضًا لماذا يلجأ الإرهابي إلى تصنيع سلاح في منتهى التعقيد ويكلف نفسه إنفاق المال والجهد والوقت في حين أن كل ما يحتاجه مجموعة من الأشخاص المتحمسين، وبعض الأسلحة والمتفجرات التي يمكن الحصول عليها بسهولة لارتكاب أفظع العمليات وشل أكثر المجتمعات تقدماً، لا سيما إذا تركنا أنفسنا نهباً للخوف والابتزاز. والحقيقة أن الإرهاب كظاهرة قديمة قدم الإنسانية نفسها سجلها التاريخ في القرن الأول بعد الميلاد عندما استهدف متشددون في فلسطين الجيوش الرومانية المحتلة، كما أن كلمة "الحشاشين" والتي تنحدر منها كلمة "القتلة" في اللغة الإنجليزية ترجع إلى إحدى الطوائف في العصور الوسطى كان عناصرها يتخفون لقتل ضحاياهم في الأماكن العامة. أما كلمة "thug" الإنجليزية التي تعني مجرما فيقال إن أصولها ترجع إلى الهند في القرنين السابع عشر والتاسع عشر، حيث ظهرت جماعة تستهدف المسافرين وتقوم بخنقهم. وعلى غرار الإرهابيين من كافة الألوان والمشارب الأيديولوجية فقد نجحوا في أهدافهم لأنهم استطاعوا فعلا إخافة المجتمعات التي وجدوا بها وأوقفوا في الكثير من الأحيان السير العادي للحياة. وفي هذا السياق تذكرنا عمليات مومباي مرة أخرى بحماقة الحرب على الإرهاب التي شنتها إدارة بوش، ذلك أن الإرهاب ليس سوى تكتيك الهدف منه بث الرعب في نفوس الناس، وبما أن هذا الأخير شعور مجرد أكثر منه واقعا ملموسا فإنه يصعب محاربته. وبشن حرب شاملة على الإرهاب نقوم فقط بتضخيم دور المنفذين والإسهام في إنجاح تكتيكهم، وبالأخص عندما توضع جميع الحركات الإرهابية على اختلاف مبادئها وتباين أيديولوجياتها في سلة واحدة. والحال أن هجمات الإرهاب ستزداد كلما استسلمنا لمشاعر الرعب التي يسعون إلى بثها في نفوسنا، لكن بمقاومتنا لإغراء شن الحروب، فقد نتمكن بعد إمعان التفكير في التقليل من عملياته عبر تحسين القدرات الاستخباراتية والاستهداف الدقيق للمنظمات الإرهابية، فضلاً عن معالجة المظالم التي تغذيه وتعزز صفوفه مثل النزاع في كشمير. واليوم في ظل وصول إدارة جديدة إلى البيت الأبيض ربما حان الوقت لتوديع الحرب على الإرهاب، ففي جميع الأحوال لدينا حربان حقيقيتان للانشغال بهما. روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"