إلى حد كبير يدين باراك أوباما بفوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة للتوقعات المتعلقة بوقوع أطول وأكبر انكماش اقتصادي خلال ربع القرن الأخير، بل وربما منذ الكساد الكبير. وبأكثر التعابير السياسية صراحة يمكنني القول إن أوباما كان محظوظا للغاية لحدوث الأزمة المالية في هذه المرحلة الحاسمة من السباق الانتخابي الرئاسي. بيد أن الحظ الذي ساعد أوباما يمكن أن يتخلى إذا لم يتمكن من إيجاد مخرج من الورطة الحالية. وعليه أن يدبر أمره على ضوء التوقع الحالي: إنه إذا أدى كل شيء على نحو مثالي، فإن أميركا قد تتمكن من اجتياز المنعطف الحالي قبل ثمانية عشر شهراً، علماً بأن الانكماش ذاته قد يستمر لفترة أطول من ذلك. المهمة الأولى التي يجب أن يتصدى لها الرئيس المنتخب باراك أوباما بعد ثماني سنوات كاملة من السياسات الاقتصادية الحمقاء، هي العمل على إصلاح الاقتصاد، أو على الأقل الحيلولة دون حدوث المزيد من الهبوط فيه، وهو أمر ليس بالسهل على الإطلاق، خصوصاً إذا عرفنا أن 1.2 مليون أميركي فقدوا وظائفهم في الفترة الأخيرة، كما يتوقع أن يفقد ما يقرب من1.15 مليون متعطل أميركي تأمينات البطالة التي يتمتعون بها بنهاية هذا العام... وهناك 3.8 مليون منزل مهددة بخطر الحجز بسبب انقضاء أجل سداد الرهن. كما تواجه الولايات المختلفة نقصاً هائلًا في الإيرادات، وإذا لم تتمكن من الحصول على مساعدات من قبل الحكومة الفيدرالية، فإنه لن يكون أمامها سوى تخفيض الإنفاق ودفع الاقتصاد أكثر على طريق الكساد. معنى ذلك أن هناك عدة خطوات يتعين على أوباما أن يخطوها هي: تقديم المساعدة لأصحاب المنازل، وإجراء إصلاحات في نظام إعلان الإفلاس، ومد فترة الاستفادة بتأمين البطالة، والتعويض عن الفجوة التي حدثت في الإيرادات المالية للولايات. ونظرا لأن أميركا تعاني من عجز في البنية الأساسية وليس فقط عجزاً مالياً وتجارياً، فإن زيادة الإنفاق على هذه البنى، سيؤدي إلى تنشيط الاقتصاد في المدى القصير، كما سيساعدها على تحسين قدراتها التنافسية في المدى الطويل. قبل ذلك، يحتاج الاقتصاد إلى حقنة أسعاف عاجلة، بيد أن الرئيس الجديد للولايات المتحدة ينبغي أن يكون حريصاً فيما يتعلق بتحديد نوعية الحوافز التي يحتاجها الاقتصاد، خصوصاً لو عرفنا أن بوش سيترك له عجزاً في الاقتصاد مقداره10.5 تريليون دولار (مرشحة للزيادة). وكان أوباما قد وعد بتخفيف وتيرة الحرب في العراق، بغرض توفير النفقات الهائلة التي تنفقها الولايات المتحدة هناك. وتوقعاتي أنه قد يستطيع أن يوفر قرابة 3 تريليونات دولار، وهو مبلغ لو استثمر داخل الولايات المتحدة، سيساعد على تخفيض نسبة العجز، وتعزيز النمو الاقتصادي في الداخل. على الرغم من أن العجز في الميزانية الفيدرالية يخيم بظلاله الثقيلة على إدارة أوباما القادمة، لا يجب بأي حال أن يعوقه عن اتخاذ القرارات الجريئة، وخصوصاً أن البدء في الحل الآن خير من البدء به غداً كما يبين درس اعصار نيوأورليانز. من المعروف أن نظامنا المالي المترنح، هو السبب الرئيسي لمعظم المشكلات التي نعاني منها في الوقت الراهن، ومن الواضح كذلك أن خطة الإنقاذ المالي التي أعدها بوش ووزير خزانته "هنرى بولسون" لن تكون كافية لإنقاذ الاقتصاد، وعلى فريق أوباما أن يدلي بدلوه أيضاً. القطاع المالي الذي كان يمثل يوماً رمزاً للنجاح الاقتصادي الأميركي، قد خذل الأمة الأميركية. فمن المعروف أن وظيفة البنوك هي تخصيص رؤوس الأموال، وإدارة الخطر، ولكن ما فعلته بنوكنا بدلاً من ذلك هو أنها راحت تبعثر النقود هنا وهناك وتخلق الخطر.لذلك سيتعين على أوباما أن يدفع باتجاه إدخال تغييرات جذرية في هذا القطاع، خصوصا فيما يتعلق باللوائح والضوابط المنظمة، ومنظومة المكآفات والحوافز (وخصوصاً بالنسبة للمدراء الذين كانوا يتقاضون رواتب خيالية) حتى يستطيع استرداد الثقة العامة في المنظومة المصرفية، كما يتعين عليه أيضا مراجعة بعض الجوانب المالية الأخرى مثل سهولة حصول البنوك المختلفة على قروض من بنك الاحتياطي الفيدرالي دون تمييز بحيث يقتصر منح هذه القروض على البنوك ذات السيرة الحسنة والسمعة الطيبة. ويجب على أوباما أن يتعامل مع العديد من جوانب القصور وعدم الكفاءة في اقتصادنا- إذا ما كنا نريد تجنب حدوث المزيد من التآكل في مستويات المعيشة لدينا- والتي يأتي على رأسها النظام التعليمي والقطاع الصحي، على ألا يقتصر العلاج بالنسبة للأخير على العلاج وتقديم الدواء، وإنما أيضاً على محاربة إدمان الخمور، والمخدرات، والتدخين، والسمنة، والتي تحولت إلى رمز على الإفراط في الاستهلاك. وعلى أوباما معالجة الأضرار التي لحقت بنا جراء سياساتنا الخارجية، وبالذات تخفيض الإنفاق العسكري الذي أصبح عبئاً هائلاً على ميزانيتنا، خصوصاً وأن العديد من الدراسات تؤكد أننا نستطيع ضمان أمننا القومي بتكلفة أقل كثيراً مما ننفقه حالياً. وسيكون أفضل لو تم توجيه جزء من هذا الانفاق العسكري الضخم إلى جوانب أخرى مثل محاربة الفقر العالمي. على أوباما أيضا التعامل مع تركة بوش المتعلقة بالأزمة المناخية، وأن يدرك أننا لن نتمكن من إنقاذ الكوكب إلا بالمشاركة في الاتفاقيات العالمية، وإجراء تخفيضات ضخمة في انبعاثاتنا الغازية، وتعديل أنماط سلوكنا البيئي بشكل عام بما يساعد في النهاية على تحقيق ما تطمح إليه البشرية من "اقتصاد أخضر". لقد وصلت الولايات المتحدة في العديد من النواحي إلى مستويات متدنية، وانتشال أنفسنا من الهوة التي تردينا إليها ليس بالإنجاز الهين، وما أتمناه هو أن يكون رئيسنا الجديد قادراً على أن يفعل من أجلنا ما هو أكثر من ذلك. جوزيف ستيجليتز أستاذ بجامعة كولومبيا(حاصل على نوبل في الاقتصاد 2001) ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"