يمكن تفهم تركيز أميركا الآن على الأزمة المالية؛ ولكنَّ ثمة موضوعاً خطيراً آخر أمامنا لا يحظى بما يكفي من الانتباه، ألا وهو المتعلق بما إن كانت سارة بالين مؤهلة لشغل منصب نائب الرئيس -أو منصب رئيس الولايات المتحدة، في حال دعت الضرورة إلى ذلك. لقد أظهر التاريخ مراراً وتكراراً أهمية وضرورة أن يكون نائب الرئيس مستعداً للإمساك بالدفة وقيادة سفينة الدولة في ظرف وجيز، إن تطلب الأمر. غير أن بالين لم تبدِ أي مؤشر حتى الآن على أنها قادرة على تقلد المسؤوليات الجسام التي تنطوي عليها الرئاسة في حال نودي عليها من أجل القيام بذلك. والواقع أن العكس هو الذي حدث تماماً. فنحن نعرف أن ثمة أجزاء من آلاسكا يمكنك أن ترى منها روسيا إذا كان الجو صحواً والرؤية جيدة. ولكن التكرار الصبياني لهذه العبارة من قبل المرشحة لمنصب نائب الرئيس في محاولة منها للإقناع بإلمامها بالسياسة الخارجية ينبغي أن يدفعنا إلى التوقف والتفكير ملياً. واللافت أن حملة ماكين بذلت كل ما في وسعها من أجل إبعاد وتحصين بالين من أي تدقيق أو فحص من قبل الصحافة ووسائل الإعلام لمدى استعدادها للنهوض بمهام ومسؤوليات أسمى المناصب في هذا البلد؛ ولا غرو في ذلك بعد أن تبين أنها تسببت في الكثير من الإحراج في مقابلاتها الصحفية. غير أن الفكرة المتمثلة في أن الناخبين الأميركيين قد يقبلون في منصب نائب الرئيس شخصاً حال عدم استعداده وافتقاره إلى الثقة دون ظهوره في برنامج "ميت ذا بريس" (قابل الصحافة) أو "فيس ذا نيشن" (واجه الأمة) تحير العقل حقاً. ولهذا، يجب دق ناقوس الخطر وإشعال أضواء التحذير؛ فإذا كان لا أحد مستعداً ليسمح بوضع ربان طائرة غير مؤهل في قمرة القيادة من أجل قيادتها، فإن إمكانية حدوث كارثة في حالة رئيس غير مؤهل هي أكبر وأعظم. لقد كانت الولايات المتحدة محظوظة في السابق بخصوص مؤهلات نواب الرئيس الذين اضطروا للحلول خلال العقود الأخيرة محل رؤساء توفوا أو أرغموا، كما في حالة ريتشارد نيكسون، على مغادرة السلطة. وهكذا، أصبح هاري ترومان وليندون جونسون مثلًا رئيسين رائعين بفضل جهودهما الخاصة؛ وقاد جيرالد فورد الأمة بنجاح خلال المرحلة التي أعقبت واحدة من أصعب الأزمات السياسية في تاريخها. وبالنسبة للأشخاص الذين يعتقدون أن سارة بالين تقع ضمن هذه الفئة، فلا توجد أي مشكلة. غير أن ظهورها وتحدثها أمام الجمهور بشكل مرتجل من شأنه أن يدفع جل المراقبين الصادقين إلى إعادة التفكير. فحين سُئلت مرة أخرى هذا الأسبوع، من قبل الصحفية كاتي كوريك من "إن بي سي نيوز"، بشأن دواعي ربطها الصبياني بين الخبرة في مجال السياسة الخارجية وقرب آلاسكا الجغرافي من روسيا، قالت بالين إن ما قصدته بذلك هو: "أن آلاسكا لديها حدود بحرية ضيقة مع بلد أجنبي، روسيا، ومن الجانب الآخر، البر -حدودنا مع- كندا". وتابعت بالين حديثها، ولكنها تعثرت في منتصف الطريق حيث قالت: "شيء مضحك أن تعليقاً مثل هذا كان نوعاً من -لا أعرف، تعرفين؟ الصحفيون... - "يسخرون؟" - "أجل، يسخرون. أعتقد أن تلك هي الكلمة الأدق. أجل". والحقيقة أن رؤية شخص يمكن أن يصبح نائباً لرئيس الولايات المتحدة يتلعثم ويتعثر بهذه الطريقة في مقابلة صحفية ليس أمراً مؤلماً فحسب، وإنما مخيفاً أيضاً. ثم طلبت كوريك من بالين أن تشرح لها كيف يمكن لقرب آلاسكا من روسيا "أن يقوي ويحسن مؤهلاتك في مجال السياسة الخارجية؟". فأجابت بالين قائلة: "الواقع أنها تحسنها بكل تأكيد لأن جيراننا بلدان أجنبية. هناك في الولاية التي أنا حاكمتها. وهناك...". وهنا قاطعتها كوريك بلطف لتسأل: "هل سبق لك أن شاركت ذات مرة في أي مفاوضات، مع الروس على سبيل المثال؟". فأجابت بالين: "لدينا بعثات تجارية تأتي وتذهب... لدينا بالفعل. ذلك مهم جداً حين تدرس حتى مواضيع الأمن القومي مع روسيا. فبينما يطل بوتين برأسه ويدخل المجال الجوي للولايات المتحدة، فإنهم يذهبون إلى آلاسكا. فهي لا تبعد سوى بمسافة قصيرة عن الحدود. فآلاسكا هي المكان الذي نرسل منه (رجالنا) من أجل مراقبة هذا البلد القوي، روسيا، لأنهم هناك قريبون... قريبون من ولايتنا". لقد كان ذلك أمراً سريالياً حقاً. كان سيكون أداءً من النوع الذي يبعث على الضحك دون تكلف لو أنه كان جزءاً من "سكيتش" فكاهي لمونتي بيثون. ولكن الأمر يتعلق بالحياة الحقيقية؛ وبالتالي، فإن الرهان كبير جداً، وجدي! وبينما كانت بالين تكافح من أجل إتمام مقابلة كوريك، كانت الولايات المتحدة تشهد أكبر إخفاق بنكي في تاريخها: انهيار "واشنطن ميوتول". إن الصحافة مطالَبة بالتركيز على مؤهلات بالين لأن تلك مسؤولية تقع على عاتقها. ثم إنه إذا تبين أن الأمر لا يتعلق سوى ببضع مقابلات صحافية سيئة أجرتها بالين لأنها كانت متوترة أو لسبب آخر، فإن مزيداً من البحث والتدقيق إنما ينصفها ويخدم مصلحتها. أما إذ اتضح أن أداءها، حتى الآن، إنما هو انعكاس دقيق لمؤهلاتها، فسيكون من الأنسب بالنسبة لجون ماكين والحزب "الجمهوري" تغليب مصلحة البلد أولاً -مثلما يحلو لماكين أن يقول- وأن يجد بديلًا لبالين على التذكرة الجمهورية. --------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"