حظي الرئيس بوش بتأييد خارجي، متبوعاً بثناء من "الجمهوريين" و"الديمقراطيين" في الداخل، لجهوده الرامية إلى مكافحة الاتجار بالبشر، ومواجهة هذه المشكلة التي تُعد شكلاً حديثاً من ممارسة الرق في عصرنا الحالي. لكن المؤسف أن هذه الجهود باتت مهددة الآن من قبل وزارة العدل التابعة لإدارته. ففي عام 2003 أعلن الرئيس بوش أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، إدانته لتجارة الجنس الرائجة لنساء وفتيات العالم. وبعد مضي ما يزيد على العامين بقليل على تلك الإدانة، وقّع بوش على مشروع قانون تضمن عدداً من الإجراءات الرامية إلى الحد من الطلب الداخلي الأميركي على تجارة الجنس. وعلى الرغم من أن الاسترقاق الجنسي ليس هو الشكل الوحيد للعبودية المعاصرة - فإلى جانبها لا تزال بيننا عبودية المصانع والمزارع، وعبودية خدم المنازل- فأنه يظل الشكل الرئيسي بين أنماط الاسترقاق، علماً بأن تاريخه يعود إلى عدة قرون. وقال الذين تحدثوا مع الرئيس، إنه يطمح إلى إضافة المعركة التي يخوضها من أجل وضع حد لتجارة الرق، إلى تركته الرئاسية. ومن جانبي كنت قد توليت قيادة الجهود التي بذلتها وزارة الخارجية الأميركية في مجال مراقبة ومكافحة الاتجار بالبشر. وكان شعوري بطبيعة عملي ومسؤوليتي، أنه يقع عليّ واجب تدشين حركة معاصرة تهدف لإلغاء الرق، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. وكانت تعيق عملي بعض السفارات والمكاتب الإقليمية التابعة للدول التي لا تريد لحكوماتها أن تنتقد على ممارستها في هذا المجال. وعلى الرغم من أنه ليس بوسعي الادعاء بكسب جميع المعارك التي خضتها، فإن البيت الأبيض أوضح من ناحيته ما لا يدع مجالاً للشك في وقوفه وراء جهودي وإدراكه لأهميتها. ولكن عليكم الآن الاستعداد لتلقي هذه المفاجأة الغريبة: فقد أطلقت وزارة العدل الأميركية حملة ضد مشروع قانون يرمي إلى تعزيز الجهود الحكومية في مكافحة الاتجار بالبشر! فعبر خطاب مؤلف من 13 صفحة، هاجمت وزارة العدل كل مادة من المواد التي حواها مشروع القانون الجديد. فعلى سبيل المثال: هل يتعين على التقرير السنوي الذي تصدره وزارة الخارجية الأميركية بشأن أداء الحكومات في مكافحة ممارسات الاتجار بالبشر، ويصنفها على أساس تراتبي اعتماداً على مستوى أدائها، أن يحوي رصداً لمدى إقدام الحكومات على معاقبة من يمارسون هذه التجارة؟ تجيب وزارة العدل عن هذا السؤال بالرفض والممانعة. وهل يتعين على وزارتي الأمن الوطني والخدمات الصحية والإنسانية تنسيق جهودهما من أجل مساعدة ضحايا الاتجار بالبشر الأجانب في الحصول على تأشيرات الدخول إلى بلادنا لتلقي العناية الإنسانية التي يحتاجونها؟ كلا. كما تنسحب الإجابة الغريبة نفسها على السؤال: هل من واجب وزارات الأمن الوطني والخدمات الصحية والإنسانية، والخارجية والعدل، تنسيق قواعد بياناتها ومعلوماتها عن أنشطة الاتجار بالبشر، بهدف بلورة استراتيجيات ناجعة للتصدي للظاهرة؟ ليس ذلك فحسب، بل حوى خطاب وزارة العدل المشار إليه، اعتراضاً على اعتزام الرئيس إنشاء جوائز جديدة خاصة تقديراً لجهود المنظمات والجماعات الدولية التي تؤدي دوراً قيادياً في جهود مكافحة هذه التجارة وإلغائها عالمياً. وبالقدر نفسه تعترض وزارة العدل على منح وزارة الخارجية لأسماء وعناوين وأرقام هواتف الجهات الأميركية الناشطة في مكافحة الاتجار بالبشر، لطالبي تأشيرات الدخول إلى الولايات المتحدة الأميركية في قنصلياتنا المنتشرة في شتى أنحاء العالم! والمؤسف حقاً أن تجيء هذه الاعتراضات من وزارة العدل بالذات. إلا أنه لا غرو في موقفها هذا، طالما أنها تبدي اعتراضاً على إجراء أي تغييرات لتحسين جهودها هي في مجال مكافحة الاتجار بالبشر! وقبل أن يأخذك الاستغراب في ما لم تعلم... فعليك بالأمثلة التالية: هل يتعين على وزارة العدل توجيه الاتهامات لسياح الجنس الأميركيين الذين يخلقون طلباً شرائياً على ضحايا تجارة الجنس في الدول الأخرى؟ لا. هل ينبغي للكونجرس أن يوضح موقفه إزاء تشديد معاقبة الأميركيين الذين يسيئون للأطفال جنسياً في الدول الأجنبية؟ لا. هل نمنح محاكمنا صلاحيات قانونية إضافية تخول لها سلطة محاكمة الأميركيين الذين يمارسون الاتجار بالبشر خارج الحدود الأميركية؟ كلا وألف كلا. هل يتعين على النائب العام الأميركي، تضمين معلومات في تقريره السنوي عن الجهود التي تبذلها وزارته في تنفيذ قوانين مكافحة الاتجار بالبشر بين المقاولين والموظفين الفيدراليين؟ لا... فإن ذلك يضيف أعباء جديدة على النائب العام، كما يقول خطاب وزارة العدل! إلى ذلك تعترض "العدل" بقوة على مادة وردت في مشروع القانون المذكور، تخول للسلطات القضائية محاكمة القوادين الذين يعتبرون "المالكين الرئيسيين" لعبيد هذه التجارة داخل الولايات المتحدة الأميركية. كما تعترض "العدل" على نص آخر يقضي برد الدفع القانوني الشائع وسط الضالعين في هذه الممارسات الخطيرة ونفيهم العلم بعمر الطفل ضحية تجارتهم. ثم تعترض أيضاً على نص قانوني يقضي بتذليل أدلة الإثبات الخاصة باستخدام القوة أو الاحتيال أو القهر لإرغام الضحية على دخول هذا المجال. وبعد أن سقنا كل هذه الأمثلة الغريبة على مواقف وزارة العدل، يبقى السؤال الذي لا بد منه: كيف لهذه الوزارة التابعة لإدارة بوش، أن بلغت هذا الحد من إعاقتها لتحقيق العدالة على مجرمي الاتجار بالبشر؟ في الحوارات الخاصة مع موظفي هذه الوزارة، ترد إجابات عن هذا السؤال، يُستشف منها التشديد على الخوف من تبديد الموارد الفيدرالية، والخوف من التدخل في شؤون الولايات وحقوقها المحلية. بيد أنه من المستحيل قبول هذا التبرير حجة على هذه المواقف المنافية للعدل ودور الوزارة. وربما لا يكون الرئيس بوش قد اطلع على الخطاب الصادر عن الوزارة. إلا إن من واجبه أن يحرص على التقاء مسؤوليها وحملهم على تغيير مواقفهم هذه قبل أن يضيع العدل، وتمضي معه تركة قيادته لجهود إلغاء ممارسات الرق الحديث هذه أدراج الرياح. ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"