تواجه استراتيجية إدارة الرئيس بوش إزاء كوريا الشمالية انتقادات حادة سواء من اليمين، أو اليسار، لتقاعسها في الضغط أكثر على بيونج يانج والجري وراء التوقيع على اتفاق معها. وفيما يطالب البعض بوقف المحادثات السداسية مع كوريا الشمالية حتى تفصح عن تفاصيل برنامجها النووي، والدول التي كانت تتعاون معها، يقترح البعض الآخر التريث قليلاً قبل التوقيع على أي اتفاق مع بيونح يانج إلى غاية التأكد من وقف أنشطتها النووية. والواقع أن ما يتعين علينا كأميركيين أن نركز عليه في هذه المرحلة هو البلوتونيوم وليس شيئاً آخر. إذ من المعروف أن كوريا الشمالية نجحت في تطوير قنبلة نووية، لكنها لا تتوفر سوى على كميات محدودة من البلوتونيوم لتشغيل الأسلحة وتزويدها بالوقود الضروري، والسبب هو التزام كوريا الشمالية إلى حد الآن بإغلاق منشآت إنتاج البلوتونيوم وتعطيلها ولو جزئياً وفقاً للاتفاقات التي تم التوصل إليها خلال المحادثات السداسية. وعلى امتداد زياراتنا إلى كوريا الشمالية خلال شهر فبراير الماضي تأكدنا بأنفسنا من أن إغلاق منشآت إنتاج البلوتونيوم كان حقيقياً وصارماً، والأهم من ذلك أننا اطلعنا على رغبة النظام في الانتقال إلى الخطوة التالية المتمثلة في تفكيك محطة "يونجبيون" التي تعتبر الأكبر والأهم في البلاد. ويعني ذلك أن كوريا الشمالية ستتوقف عن إنتاج الأسلحة النووية، أو تطوير ترسانتها الحالية على تواضعها، فضلاً عن إلغاء صفقاتها المحتملة مع الخارج والحيلولة دون إسهامها في الانتشار النووي. وما إن يتحقق هذا الجزء من النجاح ويتم التحكم في عملية إنتاج البلوتونيوم وإمكانية تحويله إلى سلاح حتى يمكننا المرور إلى المرحلة التالية أي الحصول على تفاصيل كافية عن البرنامج النووي الكوري الشمالي والأطراف الأجنبية التي كانت تتعاون مع بيونج يانج. لذا يتعين ألا نضيع الفرصة الحالية لأننا أمام إمكانية غير مسبوقة لاحتواء الترسانة النووية الكورية الشمالية، وفي الوقت نفسه العمل على إزالتها نهائياً من الوجود. وبالطبع لن تقتصر المفاوضات على هذا الحد، إذ في الوقت الذي تواصل فيه كوريا الشمالية عملية تفكيك منشآتها النووية، ستركز المباحثات في الوقت نفسه على المسائل التقنية مثل إنتاج البلوتونيوم، ودرجة تخصيب اليورانيوم، وأنشطة التصدير السابقة التي انخرطت فيها بيونج يانج مع دول أجنبية. ومع أن إعلان كوريا الشمالية عن امتلاكها لحوالي 30 كيلوجراماً من البلوتونيوم (وهو ما يكفي لصنع أربع أو خمس قنابل) لا ينسجم مع التقديرات التي نتوفر عليها (حوالي 40 إلى 50 كيلوجراماً)، إلا أنه وبناء على زياراتنا السابقة لمسنا لدى كوريا الشمالية استعداداً طيباً لتزويدنا بسجلات عن أنشطتها النووية، وفتح المجال أمامنا لمراقبة منشآتها الخاصة، فضلاً عن زيارة مواقع التخلص من النفايات والتأكد من سلامة الإجراءات ومطابقتها للمعايير الدولية. ولا ننسى أن الحصول على معلومات حول إنتاج البلوتونيوم والتأكد من مطابقتها للتصريحات الرسمية أساسي قبل الانتقال إلى الخطوة التالية، لذا دعونا لا نحرق المراحل ونتقدم خطوة، خطوة. والواقع أن بيونج يانج مازالت مستمرة في إنكار أي جهود لها لتخصيب اليورانيوم، على رغم أنه من غير المرجح أن تكون تلك الجهود قد وصلت إلى درجة تمكنها من إنتاج المزيد من السلاح النووي. وإذا كنا نقر بضرورة الحصول على المعلومات الوافية حول البرنامج النووي، والاتفاق على حد أدنى من الالتزامات يشجع كوريا الشمالية على المضي قدماً في تعهداتها الدولية، إلا أننا أيضاً لا نستطيع التضحية بإمكانية إغلاق منشأة "يونجبيون" النووية بعد أن وافقت كوريا الشمالية على ذلك، فقط لأن معلوماتنا مازالت غير كافية، أو لأن بيونج يانج مازالت تتلكأ بشأن هذا الموضوع. ولعلنا مازلنا نذكر كيف أدت الاتهامات التي وجهتها إدارة الرئيس بوش إلى كوريا الشمالية في أكتوبر 2002 بالاستمرار في تخصيب اليورانيوم إلى انسحاب بيونج يانج من معاهدة الانتشار النووي، ومواصلة إنتاج البلوتونيوم الذي نحاول اليوم إيقافه. وبالطبع لا يمكن تجاوز موضوع الصادرات النووية والتعاون الخارجي الذي يشغل بال المسؤولين الأميركيين، لاسيما بعدما أظهرت الأدلة أن كوريا الشمالية باعت التكنولوجيا النووية لسوريا. وإذا ما أردنا الاطلاع على تفاصيل التعاون مع سوريا، أو المواد التي حصلت عليها، فلابد من مواصلة التعاون مع كوريا الشمالية وتشجيعها على التفاوض بدل وقف المحادثات كما يطالب بذلك البعض. لكن كل هذا لا يعني التساهل التام مع كوريا الشمالية، لأن اعتراف بيونج يانج بالتعاون مع سوريا ليس هو القضية المحورية، وخاصة أننا نعرف حجم ذلك التعاون وندرك على وجه اليقين أنه تم فعلاً. فالأهم من ذلك هو تلك المعلومات المرتبطة بعلاقات كوريا الشمالية مع أطراف دولية ساعدتها في تصدير مواد نووية إلى الخارج، وما إذا كانت هناك شبكة معقدة من الدول ساهمت في عملية نقل التكنولوجيا النووية إلى بلدان أخرى. لكن لكي ننجح في إزالة خطر الأسلحة النووية التي تملكها كوريا الشمالية نفسها وتحييدها تماماً، علينا أن نفهم أولاً الأسباب التي دفعتها إلى توظيف مواردها الهزيلة واستثمار جهدها للحصول عليها. والحقيقة أن البيان المشترك الصادر عن الأطراف المشاركة في المباحثات السداسية في سبتمبر 2005 يشير إلى بعض تلك الأسباب مثل انشغال كوريا الشمالية باحترام سيادتها الوطنية، والحاجة إلى فرض الاستقرار في منطقة جنوب شرق آسيا، فضلاً عن حرصها على تطبيع علاقاتها مع العالم الخارجي، لاسيما الغرب والولايات المتحدة تحديداً. وبالنظر إلى التاريخ الطويل من التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية فإن أي تحسن في تلك العلاقات يستدعي أولاً اتخاذ خطوات لبناء الثقة بين الجانبين، وهو ما تتيحه المحادثات السداسية. لذا فإن أي تعطيل للمفاوضات، أو إبطاء لوتيرتها، سيأتي بنتائج عكسية، وسيعيد العلاقات بين البلدين إلى المربع الأول، وسيدفع بكوريا الشمالية نحو المزيد من التشدد، وأيضاً المزيد من التسلح النووي. ويليام بيري وزير دفاع أميركي سابق بين عامي 1994 و1997 سيجفريد هيكر باحث في المركز الدولي للأمن والتعاون بجامعة ستانفورد الأميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"