بحلول معركة يوم الثلاثاء الكبير، المتوقع حدوثها بعد غد الثلاثاء (5 فبراير)، يمضي السباق الانتخابي الرئاسي إلى نصف المشوار تقريباً. وربما ينتهي بنا الأمر في آخر المطاف، إلى انتخاب امرأة أو أميركي أفريقي، أو أسير حرب سابق، أو مسيحي مرموني، أو حاكم معمداني جنوبي، للمنصب الرئاسي للمرة الأولى في تاريخ البلاد. لكنْ، تحت سطح عناوين الصحف والبرامج الإخبارية عن سير المعركة الانتخابية ونتائجها المثيرة، ما أن ينظر المرء ملياً إلى حقيقة عملية الترشيح الرئاسي نفسها، حتى تقع عيناه على غرائب الأمور وعجائبها. فليس من شيء في هذه العملية يتسم بالبساطة أو سهولة الفهم. بل الحقيقة أنها عملية يلفها الكثير من التعقيد والفوضى والعجائب، وهي جميعها سمات كفيلة بأن تحدد من الذي سيفوز ومن سيخسر، في الملفات الضيقة التي يمر بها رهان السباق الرئاسي هذا. ففي جانب الحزب "الديمقراطي"، هناك دور ملحوظ لما يسمى بـ"كبار المفوضين" الذين يقصد بهم أعضاء مجلسي النواب والشيوخ، وحكام الولايات وغيرهم من كبار القادة الحزبيين، الذين يمثل كل واحد منهم دولة داخل الدولة بحد ذاته، ويحق لهم التصويت لمن يشاءون من المرشحين. وهناك ما يقارب نحو 800 من كبار المفوضين هؤلاء، أي ما يعادل نسبة 20 في المئة من إجمالي المفوضين أو الممثلين الحزبيين، ونسبة 40 في المئة من عدد المفوضين المطلوب لفوز المتنافس المعين بالترشيح الانتخابي. وبحكم إلمام المفوضين هؤلاء بما يدور داخل الحزب، فإن الافتراض الحالي أن يكون لحملة المرشحة هيلاري كلينتون نصيب الأسد من أصوات هؤلاء المفوضين. وتشير التقديرات الحالية إلى أن لهيلاري 187 صوتاً من هذه الأصوات، في مقابل 93 صوتاً لمنافسها باراك أوباما، وفقاً لمعلومات اللجنة الانتخابية الديمقراطية لعام 2008. بيد أن المشكلة هي أنه في وسع كبار المفوضين هؤلاء، تغيير مواقفهم الانتخابية لصالح هذا المرشح أو ذاك حتى آخر دقيقة من عملية التصويت على الترشيح. وهذا يعني أنه لا ضمانة البتة لحصول أي من المرشحين المذكورين على عدد الأصوات التقديرية أعلاه. ثم هناك أمر آخر تجب مراقبته في الجانب "الديمقراطي" من هذه الحملة الانتخابية التمهيدية، ألا وهو لمن يحق التصويت، وفقاً لتباين القوانين الانتخابية من ولاية إلى أخرى؟ ففي جميع الولايات، ما عدا ولاية كارولينا الجنوبية، تمكنت هيلاري كلينتون من تقييد منافسها "أوباما" بعدد الناخبين "الديمقراطيين" المسجلين في كشوف الاقتراع فحسب. وفي المقابل، يذكر أن "أوباما" قد حظي بدعم كبير بين أوساط الناخبين المستقلين وحتى الناخبين "الجمهوريين" في كل من ولايتي "أيوا" ونيوهامشير، بسبب انفتاح كشوف الاقتراع في هاتين الولايتين. أما المعارك الانتخابية التمهيدية "الديمقراطية" المغلقة على المستقلين، فتشمل عدداً من كبريات الولايات: نيويورك، فلوريدا، بنسلفانيا، نيوجيرسي، أريزونا، وكارولينا الشمالية، إضافة إلى ولايات كنتاكي، أوكلاهوما، أوريجون، كونيكتيكت، ديلاور، واشنطن دي سي، ميريلاند، نبراسكا، وداكوتا الجنوبية، وفرجينيا الغربية. وعلى الجانب "الجمهوري" من المعركة، يتم اختيار المفوضين الحزبيين على أساس مختلف جداً عن ذلك الذي يختار بموجبه المفوضون "الديمقراطيون". ففي هذا الجانب ليس لـ"الجمهوريين" سوى عدد قليل جداً من "كبار المفوضين"، وهو ما يقلل نفوذ هؤلاء داخل الحزب. غير أن الجانب السلبي هو أن الحزب يعمل على أساس أن المرشح الفائز في ولاية معينة، يكون له كامل عدد أصوات المفوضين الحزبيين، بصرف النظر عن حصوله على أغلبية الأصوات أم لا. فعلى سبيل المثال، لم يفز المرشح "الجمهوري" جون ماكين في الانتخابات التمهيدية التي جرت مؤخراً في ولاية فلوريدا سوى بنسبة 36 في المئة فحسب من أصوات الناخبين في الولاية، غير أنه وبحكم كونه الجواد الرابح هناك، كان نصيبه من أصوات المفوضين الحزبيين فيها، هو 100 في المئة. والمعلوم عن كبرى الولايات الأميركية وأغناها بأصوات المفوضين الحزبيين "الجمهوريين": كاليفورنيا، نيويورك، ميتشجان، أريزونا، نيوجيرسي، أوهايو، وفرجينيا، وفلوريدا، أنها تعمل بنظام أن الفوز بأصوات المفوضين من نصيب الحاصل على أعلى أصوات ناخبي الولاية. والخطر في هذا النظام المعمول به في تمهيديات الحزب "الجمهوري"، أنه ربما ينتهي بوصول مرشح نهائي للحزب إلى المعركة الانتخابية الرئاسية الفاصلة، دون أن يكون قادراً على جمع عضوية الحزب تحت راية ترشيحه الرئاسي. وعليه فربما كان الأجدى للحزب "الجمهوري"، أن يتبع نظام التوزيع النسبي لأصوات المفوضين الحزبين، المعمول به في الحزب "الديمقراطي". ومع اقتراب معركة الثلاثاء الكبير المرتقبة (بعد غد)، فإن المتوقع أن يتم حصد ما يقارب نصف أصوات المفوضين الحزبيين المطلوبين لفوز المرشح المعين بمعركة الترشيح النهائي، في يوم واحد فحسب. وعليه فإن الرابحين الوحيدين في ذلك اليوم، هم المرشحون القادرون على تمويل وتنظيم عدة حملات انتخابية متزامنة في يوم واحد في عدد من الولايات. أما الخاسرون فهم المرشحون العاجزون عن هذا التمويل والتنظيم المتزامنين. ومما لاشك فيه أن هذا العامل، هو الذي يفسر إلى حد كبير، الخروج المبكر لمرشحين من أمثال رودي جولياني وجون إدواردز وغيرهما من السباق الرئاسي. وبما أن هذا هو حال عطب نظام الترشيح الرئاسي المعمول به في أميركا حتى اليوم، فإن من الواجب أن يسمى يوم الثلاثاء المقبل بـ"يوم الغباء الأكبر" بدلاً من يوم "الثلاثاء الكبير". ستيفن هيل ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ مدير برنامج الإصلاح السياسي بـ"مؤسسة نيو أميركا". ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"