ربما سيصف التاريخ باكستان الحالية بأنها لم تكن سوى نسخة أخرى من إيران عام 1979 أو أفغانستان عام 2001، أو ربما يكتب لها التاريخ صفحة جديدة كلياً؛ فيصفها كدولة علمانية إسلامية، وديمقراطية مستقرة. وأياً يكن مصير باكستان ومستقبلها، فإن للولايات المتحدة الأميركية دوراً حاسماً في رسمه وتشكيله. فباكستان هي أكثر الدول التي نتعامل معها تعقيداً، وهي أزمة كانت في انتظار من يفجرها. فلهذه الدولة تقاليد ديمقراطية، إضافة إلى أن لها أغلبية معتدلة كبيرة. غير أنه لابد لهذه الأغلبية من صوت وسهم في النظام السياسي الحاكم، مما يستلزم أن يكون لها دورها في العملية الانتخابية. وفي حال حرمانها من هذه الحقوق، فليس مستبعداً أن تتحد مواقفها مع مواقف وسياسات المتطرفين، تماماً مثلما فعل معارضو الشاه الإيراني قبل حوالي ثلاثة عقود مضت. وخلافاً لما هو عليه حال إيران، فقد تمكنت باكستان من تطوير أسلحتها النووية سلفاً. ولا أظن أن هناك كابوساً أكبر لأمن الولايات المتحدة، من أن تنحدر ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم إلى دولة فاشلة، يمسك بقيادها المتطرفون والأصوليون الإسلاميون. وللحيلولة دون هذا الكابوس، فإنه يتعين على الولايات المتحدة القيام بالمهام الثلاث التالية إزاء باكستان: أولاً لا بد لنا أن نؤدي دوراً نشطاً في حل الأزمة الحالية، وأن تدرك إسلام أباد أن لكل فعل عواقبه. وعليه فقد كان أول ما يجب على الرئيس بوش القيام به في أعقاب إعلان الرئيس برويز مشرف عن تعطيل العمل بالدستور وفرض القوانين العرفية محله، هو أن يحثه على التراجع عن إجراءاته تلك. ولما كان ذلك هو شعوري وقناعتي فقد بادرت إلى دعوة مشرف بالفعل، وجلست معه ودارت بيننا مناقشة طويلة ومفصلة للوضع الراهن في بلاده. ومما قلته له إنه لمن الأهمية بمكان أن تعقد الانتخابات العامة وفقاً للجدول الزمني المحدد لها في العام المقبل، وأن يلتزم بالوعد الذي قطعه على نفسه بخلع زيه العسكري، إلى جانب إعادة بلاده إلى سيادة القانون. وكنت أيضاً قد تحدثت إلى بنازير بوتو. ومن خلال النقاش الذي دار بيني والرئيس مشرف، فقد بدا لي أنه يتفهم العواقب المترتبة على عدم عودة بلاده إلى النهج الديمقراطي. ولعل أولى هذه العواقب، هي الضرر الكبير الذي سيلحق بالعون العسكري الذي تقدمه لها الولايات المتحدة الأميركية. ثانياً: إن علينا الانتقال بباكستان من مرحلة سياسات الجنرال مشرف، إلى صنع السياسات الوطنية التي تفتح الطريق والمجال أمام نجاح الأغلبية الباكستانية المعتدلة. والملاحظ هنا أن العلاقات الأميركية-الباكستانية القائمة الآن، تتسم بطابع عرضي تبادلي، بدا واضحاً أنه لن يكون مفيداً لأي من الطرفين. فقد أنفقت أميركا مليارات الدولارات على باكستان، اعتقاداً منها أن إسلام أباد سوف تنقض على تنظيم "القاعدة"، في ذات الوقت الذي تسير فيه حثيثاً نحو الديمقراطية. غير أن إسلام أباد لم تنجز أياً من تينك المهمتين بعد. كما لم تكف عن تصور أميركا على أنها حليف لا يعول عليه، وأن في وسع واشنطن التخلي عنها في أي لحظة متى ما استغنت عنها. ولإصلاح هذه العلاقة لابد من تبني أساس جديد لها. وفي مقدمة ذلك النهج أن نرفع مساعداتنا الأمنية لباكستان إلى ثلاثة أمثال ما هي عليه، أي إلى نحو 1.5 مليار دولار. وربما يبدو هذا المبلغ كبيراً في نظر البعض، لكن علينا أن نتذكر أنه لا يعادل سوى ما ننفقه أسبوعياً الآن في العراق. وبدلاً من تقديم المساعدات في مجال المعدات العسكرية لباكستان، فإن هذا المبلغ سوف يساهم في بناء المدارس والعيادات والمستشفيات والطرق. ومن ناحيتي فأنا أتصور منح باكستان مبلغاً إضافياً قدره مليار دولار بعد مضي العام الأول من التحول الديمقراطي، بحيث يكون حافزاً لاستقرار الديمقراطية ورسوخها. فلاشيء أهم من دعم قادة باكستان الديمقراطيين ومساعدتهم على تعزيز الشعور بأنهم أفضل أداءً من الجنرالات العسكريين والأصوليين في إحداث التغيير المنتظر في البلاد. كما يلزمنا أن نواصل دعمنا العسكري لباكستان، شريطة أن نرى نتائج واضحة في حربها على "القاعدة" و"طالبان". وفي الوقت نفسه علينا أن نعزز علاقاتنا مع الشعب الباكستاني وأن نعمل معه -وليس مع قيادته فحسب- في أكثر القضايا التي تهمه مباشرة. ثالثاً وأخيراً، علينا أن ندرك أن هذه السياسات لن تحقق نجاحاً في إطار عزلتها المحلية. وعليه فمن واجبنا أن نخلق من الظروف الإقليمية، ما يحفز فرص النجاح ويقلل من احتمالات الفشل. ومن ذلك مثلاً أن من شأن مضاعفة جهودنا المبذولة في أفغانستان، أن تشد من عزم إسلام أباد في مواجهة "القاعدة" و"طالبان". كما يلزمنا الكف عن لغة التصعيد واحتمال مواجهتنا لطهران عسكرياً. فلن يفيد هذا الخطاب إلا في صرف أنظار الإيرانيين عن فشل حكومة نجاد، ويزيد من المخاطر الأمنية النفطية التي تحرص طهران على تصعيدها واستثمارها لصالحها. ثم إنه علينا أن ندرك أن خلق أي انطباع في باكستان أو أفغانستان أو إيران، عن حملة صليبية أميركية تستهدف الإسلام والمسلمين، من شأنه محاصرة الأغلبيات المعتدلة في هذه الدول في خانة الدفاع، مقابل كونه يعزز موقف المتطرفين والأصوليين. ــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"