في عالم مثالي قد تستخدم أميركا بالكاد مبيعات السلاح من أجل تحقيق الاستقرار في بعض المناطق، أو من أجل تحقيق نفوذ لها فيها. ولكن أميركا لا توجد في عالم مثالي، ولا حتى في عالم يمكن إصلاحه بشكل مفاجئ من خلال النوايا الحسنة والقوة الناعمة. وهو ما يدفعنا إلى القول إن هؤلاء الذين يضغطون على الكونجرس من أجل إجهاض صفقات الأسلحة المقترحة مع السعودية وغيرها من دول الخليج العربية، والتي تبلغ قيمتها الإجمالية 20 مليار دولار، بحاجة إلى التراجع عن موقفهم هذا والعودة إلى العالم الواقعي. فأميركا لها مصالح استراتيجية حيوية في الشرق الأوسط حيث تمتلك دول الخليج ما يزيد على 60 في المئة من احتياطيات النفط المؤكدة في العالم، بالإضافة إلى 40 في المئة من احتياطيات الغاز الطبيعي، وهو ما يعني أن الاقتصاد العالمي برمته -بل وجزء من كل وظيفة في أميركا- يعتمد على المحافظة على استقرار المنطقة وتدفق صادرات النفط منها. بيد أن الولايات المتحدة لا تستطيع -ولا يجب- أن تحقق الاستقرار في الخليج دون حلفاء. ومن هؤلاء الحلفاء المملكة العربية السعودية التي تعتبر قوة عسكرية مهمة في تلك المنطقة، وتمتلك إمكانيات قادرة على ردع واحتواء إيران التي يزداد مسلك حكومتها عدوانية بشكل مطرد. (هناك نقطة أود الكشف عنها في هذا السياق، وهي أن المنظمة غير الربحية التي أعمل فيها، تتلقى أموالاً من العديد من المصادر منها الولايات المتحدة ذاتها، والمملكة العربية السعودية، وإسرائيل، ومع ذلك فإن أي أحد من تلك المصادر لم يطلب مني كتابة هذه المقالة). وعلى رغم أننا محتاجون إلى المساعدة من دول الخليج الأخرى، إلا أن السعودية بالذات هي الدولة التي تمتلك قدرة أكبر على تعزيز أي جهود تعاون تتم على المستوى الإقليمي، وعلى التعامل مع المغامرات العسكرية لإيران، ومحاولاتها الرامية للحصول على أسلحة نووية. وهذه الحقيقة تتطلب أن تكون العلاقة بيننا وبين السعودية متسمة بالتسامح والاحترام المتبادلين. فالسعودية ليست الولايات المتحدة، وأي إصلاح يتم هناك سيكون بطيئاً، وسيركز أكثر على التطور الاقتصادي، وعلى نوعية الحكومة، بدلاً من التركيز على الديمقراطية وحقوق الإنسان. والإصلاح يتم بالفعل في السعودية في الوقت الراهن، ومع أن هناك حدوداً للمدى الذي يمكن أن تذهب إليه السعودية في تعاونها في مجال مكافحة الإرهاب، إلا أن هذا التعاون يزداد بشكل مطرد. علاوة على ذلك نجد أن الولايات المتحدة في موقف ضعيف في الوقت الراهن، لا يسمح لها بتوجيه انتقادات للسعودية بصدد سعيها لتعزيز مواقفها في العراق أو في عملية السلام العربي- الإسرائيلي. ولدى العرب السُّنة وفي مقدمتهم السعوديون كافة الأسباب، التي تدعوهم لاتهام إدارة بوش بأنها قد تباطأت، في إدراك حقيقة أنها تدعم عملية سياسية في العراق، أدت إلى عملية تطهير واسعة بحق السُّنة في المدن الرئيسية مثل بغداد، وأنها قد حرمتهم -السُّنة- حتى الآن من نصيب عادل في السلطة وفي ثروة البلاد. وحتى شهور قليلة خلت، وقبل أن تكتشف الإدارة الأميركية بشكل مفاجئ أهمية الصراع العربي- الإسرائيلي، كانت السعودية تدفع في اتجاه صفقة بين الجانبين، على نحو أقوى مما كانت الولايات المتحدة تفعل به ذلك. وقد استهدف منتقدو صفقة السلاح مع السعودية، أيضاً تلك الزيادة المقترحة في المساعدات العسكرية لكل من إسرائيل ومصر.. وهنا أيضاً لم يحالفهم التوفيق، ذلك لأن نجاح السلام الإسرائيلي مع مصر والأردن يعتمد اعتماداً كبيراً على المساعدات العسكرية الأميركية لمصر. والنقطة الأهم فيما يتعلق بهذه الصفقات، هي أنها لن تؤدي إلى إحداث تحولات فجائية في التوازن العسكري، كما أنها لن تؤدي إلى سباق تسلح جديد في المنطقة. وعلى رغم أن مصر ستحصل على صفقة أسلحة تقل قيمتها إلى حد كبير عن قيمة صفقة الأسلحة الإسرائيلية، إلا أنها ستكون كافية كي تظهر مصر وهي تقف على قدم المساواة مع إسرائيل في امتلاك بعض أنواع الأسلحة الرئيسية، كما أنها ستكون كافية أيضاً لتمكين مصر من أن تكون شريكاً مهماً محتملاً في أي صراع إقليمي أوسع نطاقاً قد يندلع في المستقبل. إننا يجب أن نعرف أن السعودية ستشتري الأسلحة سواء من الولايات المتحدة أو من غيرها من الدول الأوروبية أو من روسيا أو الصين، وأن استلام مثل تلك الأسلحة سواء من الولايات المتحدة أو غيرها واستيعابها من قبل القوات المسلحة السعودية لن يتم قبل عقد من الزمان, وأن هذه الأسلحة ستساعد المملكة على التعامل مع خطر الصواريخ الإيرانية المتزايد، وستمنحها قدرات كبيرة تمكنها من ردع أي مغامرات إيرانية، ومن تحديث وتطوير قواتها. وحتى يحين الوقت الذي نستيقظ فيه في عالم واقعي -وليس خيالياً- فإننا يجب أن نعمل على بناء علاقات أمنية قوية مع الحلفاء الذين قد لا تتوافر لديهم في بعض الأحيان صفات الكمال. وعلينا أيضاً ألا نميز في تعاملاتنا بين إسرائيل وبين الحلفاء العرب، لأن ذلك سيؤدي إلى تقويض مصالحنا القومية، كما قد يؤدي إلى تعريض أمن إسرائيل للخطر، بسبب زيادة العداء العربي لكل من إسرائيل والولايات المتحدة معاً. وهذا صحيح تماماً، عندما يكون الدافع لمثل هذا التمييز نابعاً من مزايدات سياسية داخلية ومن أجندات تهدف إلى تحقيق المصلحة الذاتية وليس من قلق عميق بشأن دور أميركا في هذا العالم. زميل بمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية - واشنطن ينشر بترتيب خاص مع خدمة "نيويورك تايمز"