0تتفق الآراء على أن الحملة التي قام بها الرئيس بوش مؤخراً بشأن الحرب على الإرهاب قد أدت إلى تعزيز كفة المرشحين الجمهوريين الذين سيخوضون انتخابات التجديد النصفي للكونجرس خلال الخريف الحالي، ولكن كافة المؤشرات الأخرى تشير إلى عكس ذلك. ففي آخر مسح استخباراتي بشأن الحرب على الإرهاب تبين أن "العواطف المعادية للولايات المتحدة تتزايد باستمرار كما أنها تعمل كوقود لظهور إيديولوجيات راديكالية أخرى". ومن بين الأسباب التي أدت لذلك عدم النجاح في تحقيق الاستقرار في العراق وإحلال السلام فيه، وهو ما يعني ضمناً أن أميركا تخسر حربها في ذلك البلد. بمعنى من المعاني يمكن القول إن الجيش الأميركي كما يبدو واضحاً يخسر الحرب بالفعل. فهو يعاني من نقص في القوى البشرية والمعدات أكثر من ذلك الذي كان يعاني منه عندما قام بغزو العراق عام 2003. فالفرقة الثالثة مشاة التي قادت عملية غزو بغداد، والتي خدمت مدتي خدمة في العراق تلقت تعليمات مؤخراً بالاستعداد للذهاب إلى العراق لمدة خدمة ثالثة (كما تم إعلامها بضرورة الاستعداد للذهاب إلى كوريا الشمالية إذا ما انفجر صراع هناك)، ولكن المشكلة التي تواجهها هذه الفرقة هي أنه لم تعد لديها المعدات الكافية التي يمكنها أن تتدرب عليها.. فالمعدات التي لم يتم تدميرها أو لم تبلَ في العراق تُركت لاستعمال القوات التي حلَّت محلها. أما الفرقة الثانية مشاة فهي بالإضافة إلى معاناتها من نقص المعدات فإنها تعاني أيضاً من نقص كبير في الأفراد. فمن بين قوتها الأساسية البالغة 3500 جندي لا يوجد لديها في الوقت الراهن سوى نصف هذا العدد. ويمكن معرفة أسباب هذا النقص في القوى البشرية لو عرفنا أن قاعدة "فورت ستيوارت" - جورجيا تستقبل 1000 جندي جديد كل شهر لا يتخرج منهم من التدريب الأساسي سوى 400 جندي يحتاجون إلى عام على الأقل قبل أن يكونوا جاهزين للقتال. لقد أرادت إدارة بوش أن تخوض الحرب بتكاليف زهيدة، ولم ترد أن تطالب الشعب الأميركي بتقديم التضحيات مثل دفع المزيد من الضرائب.. بل إنها قامت بعكس ذلك عندما قاتلت في الكونجرس كي تبقى الضرائب منخفضة، وهو ما جعل نسبة الواحد في المئة من الأميركيين الأكثر ثراء تزداد ثراء في حين لم نسمع أية أحاديث عن ترشيد الإنفاق كما لم يكن هناك بالتأكيد أي أحاديث عن تطبيق نظام القرعة أو التجنيد الإجباري لتزويد الجيش بالمزيد من القوة البشرية. قال بوش إنه إذا ما طالبه الجنرالات المسؤولون في العراق بالمزيد من القوات فسيوفرها لهم.. ولكن الشيء الذي غاب عن بوش هو أن إصدار الأوامر بإرسال المزيد من القوات يختلف عن وضع هذه القوات على الأرض بعد أن تكون قد تدربت تدريباً جيداً وتم تزويدها بالمعدات اللازمة. وسياسات بوش لم تؤد فقط إلى إضعاف جيش الولايات المتحدة ولكنها أدت كذلك إلى إضعاف اقتصادها. صحيح أن معظم المؤشرات التقليدية إيجابية: فمؤشر البورصة مرتفع، والتضخم تحت السيطرة، ومعدل البطالة ليس مرتفعاً وتجار التجزئة يقدمون شروطاً مغرية على سلع موسم الكريسماس.. ولكننا نجد في نفس الوقت أن الدَّين الوطني قد بلغ عنان السماء، وأن العجز في الميزان التجاري وميزان المدفوعات قد ازداد أيضاً بصورة كبيرة. ويجب علينا ألا ننسى في هذا السياق أن الذي السبب في انتهاء الحرب الباردة كان سقوط الاتحاد السوفييتي الذي كان السبب الأساسي فيه هو توسعه في الإنفاق على برنامج الدفاع الصاروخي بصورة فاقت قدراته المادية. في مقابلة متلفزة الشهر الماضي قال نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني إن هؤلاء الذين ينتقدون الحرب على العراق يشجعون الإرهابيين، وهو قول مشابه لقول أدلى به الرئيس الأسبق جونسون إبان حرب فيتنام. وفي هذه المقابلة نفسها قال تشيني إن إدارة بوش كانت "ستقوم بنفس ما قامت به في العراق" حتى إذا ما كان قد تبين لها قبل الغزو أنه يخلو من وجود أسلحة للدمار الشامل. طالما أن الأمر كذلك.. فما هو السبب في كل هذه الضجة التي أثارتها الولايات المتحدة حول أسلحة الدمار الشامل؟ وهل كان كل الهدف من الحرب هو التخلص من صدام حسين؟ وهل سيتم إخبارنا في المستقبل أنه لم يكن مهماً أن تحوز إيران على أسلحة نووية أم لا لأن الهدف المطلوب كان هو التخلص من الرئيس الإيراني؟ لقد دأب بوش على ترديد عبارة "إن العالم أفضل كثيراً بدون صدام حسين" كما لو كانت هذه العبارة قد تحولت إلى قول مأثور.. إن ورود مثل هذا القول على لسان رئيس الولايات المتحدة يعني أن وجود ذلك الرجل أو عدم وجوده سيؤثر على أحوال العالم وهو قول يبالغ في إضفاء القوة والنفوذ على ذلك الديكتاتور المدعي. علاوة على ذلك فإننا لو أخذنا في الاعتبار ما حدث في العراق منذ الغزو الأميركي فإننا يجب ألا نندهش إذا ما وجدنا الكثيرين من العراقيين يقولون لنا عما قريب إن العراق كان أفضل كثيراً مما هو عليه اليوم. وهناك سؤال آخر يلي هذه الأسئلة: هل الحرب الحالية في العراق ستترك الولايات المتحدة أكثر قوة أم أكثر ضعفاً، أكثر نفوذاً واحتراماً أم أقل، مما كانت عليه قبل الحادي عشر من سبتمبر؟ إن بوش يتحدث عن نشر الديمقراطية، في حين أن الحقيقة هي أنه يقوم من خلال هجومه على وثيقة الحقوق في دستورنا بإضعافها.