نتعرض جميعاً خلال رحلة حياتنا لقدر لا بأس به من الأشعة فوق البنفسجية الصادرة من الشمس. وعلى الرغم من أن المقادير الصغيرة من الأشعة فوق البنفسجية مفيدة للصحة العامة، وتلعب دوراً محورياً في إنتاج فيتامين (د)، فإن التعرض لكميات كبيرة من هذه الأشعة يؤدي إلى العديد من المشاكل الصحية، مثل سرطان الجلد وقتامة عدسة العين. ويمكننا بالاعتماد على الأدلة والدراسات العلمية، تحديد تسعة آثار صحية سلبية نتيجة للتعرض المفرط للأشعة فوق البنفسجية. أربعة من هذه الأمراض، هي أنواع مختلفة من سرطان الجلد وسرطان قرنية العين، وهي الأمراض التي تعتبر الأشعة فوق البنفسجية مسؤولة عن 50% إلى 90% من حالات الإصابة بها. أحد هذه الأمراض والمعروف بالميلانوما الجلدية الخبيثة (Cutaneous malignant melanoma)، لا زال يسبب نسبة مرتفعة من الوفيات بين المصابين به، رغم التطور المستمر خلال السنوات الأخيرة في أساليب علاجه. أما الخمسة أمراض الاخرى، أو بالأحرى الآثار الصحية الأخرى، فعلى رغم أنها لا تشكل خطراً على الحياة، فإنها تؤثر سلباً على الحالة الصحية العامة. أول تلك الحالات، هي المعروفة بالشيخوخة الضوئية (Photoageing)، أو الشيخوخة الناتجة عن التعرض المفرط لأشعة الشمس. وهي عبارة تلف مزمن يحدث في أنسجة وطبقات الجلد الخارجية والعميقة، تتسبب فيه الأشعة فوق البنفسجية قصيرة الموجة، ويظهر على شكل بقع وتغيرات لونية في الجلد، بالإضافة إلى تجاعيد مبكرة وتهدل. الحالة الثانية، أو الحروق الشمسية (Sunburns)، فرغم انتشار الحالات البسيطة منها، فإنها أحياناً ما تكون شديدة جداً ومتقرحة. وعموماً، إذا ما أدى التعرض للشمس إلى حدوث حروق، فهو يعني ببساطة أن مقدار التعرض قد تسبب في أذى شديد للجلد، لدرجة موت خلايا الطبقة الخارجية منه. الحالة الثالثة الناتجة من فرط التعرض المزمن لأشعة الشمس، هي نوع من المياه البيضاء أو الكتاركت (Cortical Cataract)، وتؤدي إلى قتامة تدريجية في عدسة العين، تعيق الإبصار في مراحلها الأولى، وتنتهي أحياناً بفقدان تامٍ للبصر. وبالفعل تظهر الدراسات أن 5% من جميع حالات المياه البيضاء، هي ناتجة في الأساس من جراء التعرض المفرط لأشعة الشمس. الحالة الرابعة، أو ما يعرف بظفرة العين (Pterygium)، فهي عبارة عن نمو ليفي، إسفيني الشكل، ينشأ من ملتحمة العين. ورغم أنه في بعض الحالات يظل هذا النمو ساكناً، ولا تزيد أعراضه عن إحمرار العين، وذرف الدموع، فإنه في حالات أخرى يستمر في النمو حتى يصل إلى مركز القرنية. وإذا ما وصل نمو ظفرة العين إلى هذه الدرجة، فينتج عنها ساعتها اختلال الشكل الطبيعي للقرنية، والإصابة بـ"الاستجماتيزم" وعيوب الإبصار، وهو ما قد يتطلب التدخل الجراحي حينها. أما الحالة الأخيرة الناتجة عن فرط التعرض لأشعة الشمس، فهي في الحقيقة تنتج من تنشيط فيروس "الهربس"، المسبب لقرحة البرد الشهيرة التي تصيب الشفتين غالباً. هذا الفيروس يظل كامناً في الجسم، ويعود للظهور بين فترة وأخرى، في وجود الظروف التي تثبط جهاز المناعة الطبيعي. وبما أن التعرض المفرط لأشعة الشمس يؤدي لظهور هذا الفيروس، فالاستنتاج الطبيعي أن فرط التعرض هذا يؤثر أيضاً بشكل سلبي على جهاز المناعة. مثل هذا التأثير-في رأي البعض- هو المسؤول أيضاً عن الإصابة بسرطان الجلد. حيث يؤدي تثبيط جهاز المناعة، من جراء فرط التعرض لأشعة الشمس، إلى انتقاص قدرته على إزالة وتدمير الخلايا المعيبة، وهي نفس الخلايا التي تتحول لاحقاً إلى خلايا سرطانية. تجنب الأمراض والحالات سابقة الذكر، يتطلب منا تجنب فرط التعرض لأشعة الشمس، أو اتخاذ الاحتياطات اللازمة لتخفيف أثر هذا التعرض، إذا كان لا بد منه بسبب طبيعة العمل مثلاً. أول وأبسط تلك الاحتياطات يعتمد على لبس ثياب طويلة ذات أكمام، وارتداء القبعات العريضة والنظارات الشمسية، واستخدام المظلات. وفي حالة تعرض الجلد مباشرة للشمس، كما في حالات السباحة، فيجب ساعتها استخدام الكريمات الواقية من الشمس. ولتحديد مدى الوقاية اللازمة، سواء من خلال الملابس والقبعات، أو من خلال النظارات والكريمات، لا بد من تقدير مبدئي لمقدار ما يتعرض له الشخص من أشعة. حيث تتدخل الكثير من العوامل الفيزيائية في تحديد مقدار ما يصل إلينا من أشعة فوق بنفسجية، بنوعيها طويل وقصير الموجة. من هذه العوامل، درجة ارتفاع الشمس في السماء، وهو ما يعني أن كمية الأشعة البنفسجية تتغير خلال ساعات اليوم المختلفة، وحسب فصول السنة المختلفة. فكلما ارتفعت حرارة الشمس، كلما زادت كمية الأشعة فوق البنفسجية، وزادت نسبة النوع قصير الموجة مقارنة بالنوع طويل الموجة. وتتغير كمية الأشعة فوق البنفسجية أيضاً على حسب خط العرض الجغرافي، فتزداد كلما اقتربنا من خط الاستواء، وتقل بالتدريج كلما ابتعدنا عنه. وهو ما ينطبق أيضا على درجة الارتفاع أو البعد عن سطح الأرض، حيث تنخفض كثافة الغلاف الجوي كلما زاد الارتفاع، وتنخفض معها أيضاً درجة ما يمتصه الغلاف الجوي من الأشعة القادمة من الشمس. وتلعب كمية غاز الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي دوراً محورياً في قدرة الغلاف الجوي على امتصاص الأشعة فوق البنفسجية، وخصوصاً النوع قصير الموجة. ولذا يؤدي استنزاف الأوزون كما في حالات ما يعرف (بثقوب الأوزون)، إلى زيادة واضحة في كمية الأشعة البنفسجية قصيرة الموجة التي تتمكن من الوصول إلى سطح الأرض، وفي زيادة مماثلة في الأمراض والآثار الصحية السلبية. د. أكمل عبد الحكيم