في قمة الدول الثماني الكبرى هذه, التي تنعقد اليوم وحتى السابع عشر من الشهر الجاري بمدينة سانبطرسبرغ, وتتولى رئاستها روسيا لأول مرة في تاريخها, أود أن أصوغ الأهداف الأربعة التالية لها. أولاً: أن نوجه اهتمام الدول الغنية والناهضة مجدداً, إلى التصدي لخطر الإحماء الشامل. ثانياً: أن نقنع هذه الدول بأهمية تجديد التزامها بتمويل المشروعات والبرامج الخاصة باستئصال الفقر والأمراض الوبائية. ثالثاً: تقديم الدعم للقارة الإفريقية في لحظة بدأت تسترد فيها عافيتها ويتحسن فيها أداؤها الاقتصادي. رابعاً وأخيراً: مكافحة الإرهاب والتصدي لخطر انتشار أسلحة الدمار الشامل, لاسيما التصدي للملفين الكوري الشمالي والإيراني. ومما لاشك فيه أن علينا انتهاز هذه الفرصة الذهبية التي أتاحها النمو الاقتصادي العالمي, الذي بدأ تغيير مستقبل البشرية قاطبة, في ذات الوقت الذي نعمل فيه على كبح نهم العولمة, وتصحيح الآثار الاجتماعية والبيئية السالبة الناجمة عنه. أما بالنسبة لفرنسا, فإن الهدف الرئيسي لانعقاد هذه القمة, هو تنظيم منتدى حوار غير رسمي, يجري فيه التحضير لتوحيد استجابتنا المشتركة للتحديات التي يواجهها العالم بأسره. والمعلوم أن النهج الذي تتخذه قمة الثماني, هو توفير الفرصة للقاءات الشخصية المباشرة بين القادة والرؤساء, سعياً لتحقيق إجماع وخلق روح موحدة في تحملنا جميعاً للمسؤولية. وهذا هو عين السبب الذي دفع هذه القمة نحو الانفتاح على دول أخرى ناهضة مثل الهند والصين والبرازيل والمكسيك, التي لن يتسنى لنا من دونها التصدي لأي من كبرى القضايا والتحديات العالمية التي تواجهنا, ويتعذر من دونها كذلك تمثيل الدول الفقيرة والنامية. هذا ولا ينبغي للطاقة أن تتحول إلى أداة سياسية بأي حال. وفي هذه المرحلة من النمو الاقتصادي السريع الذي يشهده العالم, فإن علينا التعامل مع الطاقة في إطار شراكة دولية ترمى إلى تحقيق التنمية المستدامة. وفيما لو واصلنا النهج ذاته الذي نتبعه اليوم, فإن في تزايد استهلاكنا للطاقة الأحفورية ما يشكل خطراً كبيراً على البيئة والمناخ العالميين. وفي لقائنا هذا في مدينة سانبطرسبرغ, يطيب لي أن نتوصل إلى طريقة ما, تمكننا من تحسين أداء أسواق النفط والغاز, بما يحفز الحوار بين المنتجين والمستهلكين والدول التي تمر بها شحنات هذه المنتجات, إلى جانب حث خطى العالم باتجاه مرحلة ما بعد النفط, ومساعدة الدول الناهضة على التخطيط الاقتصادي الذي يتوخى المسؤولية البيئية إزاء النمو. كما ينبغي علينا أن نشجع بشدة توسيع استخدام مصادر الطاقة البديلة القابلة للتجديد, بما فيها الطاقة النووية, شريطة أن نضع أشد القيود على استخدامها للحيلولة دون خطر الانتشار النووي. وبما أن التحديات العالمية تتطلب استجابة دولية موحدة, فإنه لن يتسنى لنا حل معضلة الإحماء الشامل, فيما لو سلكت أي دولة من الدول طريقها الخاص لحل المشكلة, أو فيما لو اتسعت دائرة الحلول الأحادية والجزئية. وإنني لأزداد قلقاً على ضعف وهزال الترتيبات الدولية الخاصة بظاهرة التغير المناخي. وها قد حان الوقت الذي وجب علينا فيه تصحيح هذا الوضع. ولما كانت الدول الثماني الممثلة في هذه القمة جميعها أعضاءً في بروتوكولات "كيوتو" للتغير المناخي, فإن عليها مسؤوليات محددة إزاءها بالضرورة. بهذا المعنى فإن عليها أن تقدم القدوة والمثل للآخرين في احترامها لهذه الاتفاقيات والبروتكولات, على النحو الذي تفعله فرنسا وأوروبا. ولا غرو أن الكارثة البيئية الحالية, إنما تتطلب استجابات دولية منسقة وفاعلة. ومن هنا فإنني أدعو شركائي ونظرائي من القادة الدوليين في هذه القمة, إلى الالتزام بتسريع إنشاء منظمة بيئية تابعة للأمم المتحدة. وعلى صعيد آخر, يحصد ثلاثي الإيدز والسل الرئوي والملاريا, أرواح ما يزيد على خمسة ملايين نسمة سنوياً, معظمهم من القارة الإفريقية, بينما يدفع بحياة مئات الآلاف من الأطفال الأيتام إلى هوة الفقر المدقع والعنف. ولكن بمقدورنا التغلب على الأمراض هذه. ولقمة الثماني التزاماتها ووعودها في هذا الصدد, وما عليها سوى الوفاء بتلك الالتزامات والوعود, التي تشمل فيما تشمل, توفير علاجات الإيدز لكافة المرضى بحلول عام 2010, والالتزام باتفاقيات منظمة الصحة العالمية الخاصة بهذه العقاقير الطبية, ثم الالتزام بسداد ما علينا للصندوق الدولي, الذي تتعهد فيه فرنسا بسداد ما تعادل قيمته 382.2 مليون دولار خلال العام المقبل, مساهمة منها في محاربة الأمراض الوبائية. كما أننا بحاجة إلى مصادر تمويل جديدة لمكافحة آفة الفقر, مستفيدين في ذلك من فرصة النمو الاستثنائي للثروات العالمية. ومن جانبها فقد أطلقت فرنسا مساهمة تضامنية منها في تذاكر السفر الجوي. والفكرة أن تذهب عوائد تلك العوائد على التذاكر لصالح شراء الأدوية الطبية عبر منظمة "يونيتيد". وتعد هذه التجربة الأولى من نوعها في هذا المجال. ولكن لابد من توسيعها لتشمل مجالات أخرى كتمويل التعليم والأولويات الجامعية وما إليها. وإني لعازم على إقناع الدول الأخرى الأعضاء في قمة الثماني بمدى فاعلية هذا النهج الجديد في مكافحة تفشي الأمراض الوبائية والفقر. كما تتطلب مكافحة الأمراض ذاتها, تعزيز نظم الرعاية الصحية في الدول النامية. ولنذكر هنا أن هذه النظم كانت قد أنشئت في أوروبا, في ظروف تعادل فيها الأجور ما هي عليه معدلاتها في إفريقيا الآن تقريباً. بيد أن تلك النظم شكلت عاملاً حاسماً في التقدم الاجتماعي والاقتصادي الذي أحرزته أوروبا. ولذلك فسوف أقدم اقتراحاً في القمة الحالية, بإنشاء نظم صحية خاصة بالدول الفقيرة. وكما فعلت في كافة القمم السابقة, فسأواصل الضغط على شركائي في قمة سانبطرسبرغ هذه, من أجل إقناعهم بتبني مشروع شراكة مع القارة الإفريقية. فهي علاوة على كونها التزاماً أخلاقياً تجاه القارة, تمثل عاملاً مهماً في إنقاذ شبابها من هوة الفقر التي تدفعهم باتجاه العنف والتطرف والإرهاب. وما مشروع الشراكة الأوروبية- الإفريقية الذي أعلن عنه مؤخراً في مؤتمر الرباط, سوى خطوة لمضي المجتمع الدولي على هذا الطريق. وفي إطار القضايا الأمنية التي ستتناولها القمة, فإننا نأمل من القيادة الإيرانية أن تأخذ بعين الجد والاعتبار بالعروض السخية التي قدمناها لها مقابل التزامها بنصوص معاهدة حظر الانتشار النووي, خدمة لمصالحها الوطنية, ولسلام العالم واستقراره كله. وأخيراً أعلق على مغزى انعقاد هذه القمة في سانبطرسبرغ الآن, استجابة لمبادرة أطلقتها فرنسا وظلت تعمل عليها منذ عام 1996. وأهم دلالة لانعقاد القمة هذه هنا, ودعوة روسيا للمشاركة فيها, هي إسدال الستار على جميع حجج مرحلة الحرب الباردة أخيراً, والمضي قدماً باتجاه مستقبل بشري يسوده السلام والتعاون الدوليان. ـــــــــــــــــــــ ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"