ما هي منظمة (القاعدة)؟ يبدو هذا على كل المستويات سؤالاً بسيطاً· لكن اسم (القاعدة) يبقى على رغم كل شيء اسماً ومصطلحاً لمنظمة دار حولها كلام كثير تداوله الجمهور وعامة الناس والسياسيون والمعلقون؛ ولذلك صارت منظمة (القاعدة) بالفعل واحدة من المنظمات المعروفة جداً في العالم·
وعلى رغم ذلك ما زال هناك قدر كبير من الغموض يلف العناصر التي تشكل منظمة (القاعدة)· فهل هي منظمة إرهابية يقوم أسامة بن لادن، مديرها التنفيذي، بإدارتها بمنهج هرمي يتربع هو على قمته؟ أم أنها مجموعة من الاسلاميين المسلحين المنتشرين في كل أنحاء العالم والمنتظمين بغير ترابط كبير في شبكة ليس لهم فيها من رابط مشترك سوى خضوع الكثير منهم للتدريب في أفغانستان؟ أم أن (القاعدة)، أعني (القاعدة) بصفتها منظمة، قد تحولت إلى شيء لا سبيل إلى وصفه سوى استخدام اسم (القاعدة-الحركة) التي يكون تعريفها بالولاء لمواقف بن لادن المعادية للسامية والغرب والازدهار وبالميل إلى العنف؟
أم أن (القاعدة) هي كل ما قلناه آنفاً؟
إن تعريف ما نطلقه على (القاعدة) من الأسماء والمصطلحات أمر أكبر من الاهتمام بدلالة اللغة والأسماء· وإذا كنا قادرين على تعريف ماهية (القاعدة)، فمن الممكن لنا أن نحقق فهماً أفضل للتهديد الذي تشكله (القاعدة) في الوقت الراهن·
أولاً، هناك (القاعدة) المنظمة· وهنا تأخذ الدهشة والمفاجأة معظم المختصين عندما يعلمون أن عدد أعضاء (القاعدة) يتراوح ما بين 200 و300عضو فقط· وهؤلاء هم الرجال الذين بايعوا أسامة بن لادن وأدلوا أمامه بيمين الولاء له حتى الموت بصفته أميرهم أو زعيمهم· (وهذه هي (القاعدة) التي تحمل صفة المنظمة، والمسؤولة عن هجمات 11 سبتمبر، 2001)· وهناك أيضاً الحلقة الأوسع التي تشترك بمركزها مع النواة الداخلية لـ(القاعدة) وتنتشر خارج نطاق هذه النواة· وتتألف هذه الحلقة الأوسع من آلاف من المحاربين المجاهدين الذي تدربوا في معسكرات أفغانستان على فنون الإرهاب الأسود وفنون الاغتيال وصنع القنابل·
وخارج هذه الدائرة، هناك عشرات الآلاف من الأفراد المسلحين الذين تلقوا نوعاً من التدريب الأساسي في أفغانستان على مدى سنوات العقد الماضي· وقد ذهب الكثيرون من هؤلاء المتدربين إلى أفغانستان من أجل غاية هي أكبر من أن تكون عطلة واستراحة من الجهاد، إذ كان مقدّراً لمعظمهم أن يكونوا جنوداً ووقوداً لحرب (طالبان) على التحالف الشمالي الأفغاني· وهنا ينبغي أن نفكر بـ(جون ووكر ليند) على سبيل المثال·
ثالثاً وأخيراً، هناك في أنحاء العالم كلّها جموع غفيرة من المسلمين الذين ينتسبون إلى دائرة نظرة وآراء أسامة بن لادن، وهي التي تقول إن الغرب عدو الإسلام· ومن الممكن أن يكون هؤلاء أيضاً على استعداد لتنفيذ أعمال العنف·
وما تزال التحقيقات جارية في التفجيرات التي وقعت في الآونة الأخيرة في كل من تركيا والمملكة العربية السعودية والعراق، لكن الأمور توحي سلفاً بأن لمنظمة (القاعدة) -بكل أوصافها المختلفة التي سردناها آنفاً- دوراً في الهجمات المذكورة·
ففي حالة التفجير الذي وقع في الرياض يوم الثامن من شهر نوفمبر الماضي، قال المسؤولون السعوديون إن (القاعدة) نفسها خططت لتلك الهجمات· ويبدو هذا معقولاً وجديراً بالتصديق، باعتبار أن (القاعدة) قد ضربت قبل ذلك، أي في شهر مايو الماضي، في مدينة الرياض بشنّ سلسلة من الهجمات التي أسفرت عن مقتل 34 شخصاً· وفي حالة الهجوم الذي وقع يوم 12 نوفمبر في مدينة الناصرية في العراق، والذي كان يستهدف الوجود الإيطالي هناك، قال وزير الدفاع الإيطالي (أنطونيو مارتينو) إن المسؤولية عن تلك الهجمات تقع على الموالين للرئيس المخلوع صدّام حسين وعلى أعضاء في (القاعدة)· وهكذا لا يكون هجوم الناصرية، والحال كذلك، من تدبير وتنفيذ (القاعدة) نفسها، بل من تدبير وتنفيذ دائرة الجهاديين الأوسع الذين يتعاطفون مع (القاعدة) وانتسبوا إليها وهي المستعدة للتعاون مع كل المجموعات الموجودة أمامها على الأرض والتي تعمل في سبيل مصالح محلية لا أكثر، ومن تلك المجموعات مثلاً مجموعة الموالين للرئيس المخلوع صدّام حسين·
أما الهجمات التي استهدفت الكنيسين اليهوديين في اسطنبول يوم 15 نوفمبر الماضي، فقد تبين أنها من تنفيذ اثنين من الأتراك· وقد أعلنت مسؤوليتها عن الهجومين جماعة تطلق على نفسها اسم (كتائب أبو حفص المصري)· أما (أبو حفص المصري) فهو الاسم الحركي لقائد عسكري سابق في منظمة (القاعدة) لقي مصرعه في هجوم جوي شنته الطائرات الأميركية في أفغانستان في شهر نوفمبر من عام 2001· ولذا يبدو أن الهجومين على الكنيسين اليهوديين في اسطنبول قد وقعا بتدبير وتنفيذ واحد من الأشخاص الكثيرين المتعاطفين مع (القاعدة)، حيث قاموا بتجنيد المواهب المحلية الموجودة أمامهم على الأرض لتنفيذ العملية·
ومن الجائز جداً هنا أن نقول إن مختلف الهجمات تلك تمثل مستقبل عمليات (القاعدة): أي سيتواصل وقوع بعض الهجمات التي تقوم المنظمة الإرهابية نفسها بالتخطيط لها، في حين ت