إذا كانت 2005 هي السنة التي توجس فيها أشد المدافعين عن منظمة الأمم المتحدة من اتجاهها نحو التهميش والإقصاء، فإن 2006 قد تكون سنة استعادة المنظمة الأممية لبعض من مصداقيتها وتألقها على الساحة الدولية. ففي السنة المنصرمة دخلت الأمم المتحدة في صراع مرير مع إدارة الرئيس بوش على خلفية افتقاد مجلس الأمن للشجاعة الكافية في التعامل مع صدام حسين. وفي تلك السنة أيضاً وجهت تهم إهدار الموارد وضعف الإدارة إلى الأمم المتحدة، خصوصا بعدما أظهر التحقيق حول برنامج النفط مقابل الغذاء وجود فساد على أعلى المستويات ليتحول موضوع الأمم المتحدة إلى حديث تلوكه الألسن في البرامج التلفزيونية المسائية. ومع ذلك يبدو أن الصورة المهزوزة للأمم المتحدة تشارف على الزوال في ظل ابتعاد إدارة الرئيس بوش خلال هذه السنة عن السياسة الأحادية، وفي ظل بحثه عن شركاء، قد تكون الأمم المتحدة واحداً منهم، لإنجاح سياسته الخارجية.
والأكثر أهمية أنه خلال هذه السنة أيضاً أبدت قيادة الأمم المتحدة رغبة في إعادة اكتشاف نفسها على أسس جديدة، وتجاوز مشاكل الماضي لتكريس صورة مغايرة تتوق إلى الإصلاح والتغيير. ورغم أن الأمم المتحدة كمؤسسة كبيرة ومتشعبة قد يصعب إصلاح وضعها بالسرعة المطلوبة، فإن الأمين العام كوفي عنان مصرٌّ على الدفع بالإصلاحات قدما. ويأتي في مقدمة تلك الإصلاحات ما أعلنته المنظمة في الأسبوع المنصرم عن نيتها إحداث صندوق دولي لمواجهة الكوارث بموازنة تقدر بحوالى 500 مليون دولار تساعد على التسريع في تقديم المساعدات إلى ضحايا الكوارث الكبرى. ويضاف أيضاً إلى ذلك ما اقترحه الأمين العام كوفي عنان من إدخال تغييرات جوهرية على الهياكل الإدارية للمنظمة الأممية من أجل تطوير عمل الموظفين وتسهيل إجراءات التوظيف، فضلاً عن تفويض بعض الأعمال، التي تنفذ سواء في مقرها الرئيسي في نيويورك أو فرعها في جنيف بسويسرا، إلى جهات خارجية. وسيشمل التغيير كذلك المهنيين الذين يشاركون في عمليات حفظ السلام الأممية، حيث ستصل ميزانية الإصلاح التي تستدعيها عملية التطوير والتحديث إلى 510 مللايين دولار.
ومع ذلك يترقب الملاحظون تصاعد وتيرة الخلاف خلال الأسبوع الجاري حول موضوع مازال يسمم العلاقات بين واشنطن والأمم المتحدة. ويتعلق الأمر بمستقبل مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة وكيفية تشكيلها بعدما كانت تضم بين جنباتها في السابق أعضاء عرف عنهم انتهاكهم لحقوق الإنسان. وللخروج من هذا المأزق سبق للأمين العام كوفي عنان أن اقترح إلغاء المفوضية واستبدالها بهيئة أصغر لكنها أكثر فاعلية تضم أعضاء مستعدين لتعزيز حقوق الإنسان وصيانتها تماشياً مع الأهداف العامة للأمم المتحدة. وبدلا من عقد اجتماع واحد في السنة لمدة ستة أسابيع كما هو حال مفوضية حقوق الإنسان يقترح كوفي عنان أن تلتئم الهيئة الحقوقية الجديدة ثلاث مرات في السنة لرصد الدول المنتهكة لحقوق الإنسان، بحيث ستتم مراقبة مدى التزام الدول الأعضاء في الهيئة بصيانة المقررات الدولية. وإذا ما ثبت ضلوع إحدى الدول في انتهاكات منظمة ومنهجية لحقوق الإنسان، فإنها قد تتعرض للطرد من الهيئة.
بيد أن الحماس الذي صاحب اقتراحات كوفي عنان بدأ يخفت تدريجياً بسبب الصراعات السياسية بين الدول المختلفة وتسجيلها للعديد من التحفظات. وبخصوص مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة التي يصل عدد أعضائها الحاليين إلى 53 دولة فإنها لن تختلف جوهرياً عن الهيئة الجديدة بأعضائها الـ47. وبدلا من التصويت على انضمام الأعضاء بأغلبية الثلثين كما اقترح كوفي عنان في البداية، فقد تم تغيير المقترح ليتم اختيار الأعضاء بأغلبية بسيطة من قبل الدول الأعضاء في الجمعية العامة. ومع أن الولايات المتحدة كانت قد طالبت بإعادة التفاوض حول المقترح، إلا أن رئيس الجمعية العامة السويدي يان إليانسون أرجأ المفاوضات حيث يرتكز مستقبل المقترح برمته على نتائج تلك المفاوضات.
جون هيوز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مساعد وزير الخارجية الأميركي في إدارة الرئيس ريجان، عمل مساعداً للأمين العام للأمم المتحدة.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"