هناك كتابات كثيرة عن الصراع بين الإسلام والغرب· ولكن السجال الذي سيقرر مستقبل الإسلام فعلاً موجود داخل الإسلام ذاته، ويدور بين المسلمين أنفسهم· وهذا السجال قائم الآن في البلاد العربية من المغرب إلى العراق، كما أنه قائم في البلاد غير العربية ذات الأغلبية المسلمة كباكستان وإيران·
وهو في ذات الوقت سجال يدور حول أشياء عديدة ليس أقلها استخدام الإرهاب ضد الأبرياء من البشر· ومن الموضوعات التي تحظى بأهمية استثنائية ذلك الخاص بدور المرأة في المجتمعات الإسلامية· وترجع أهمية هذا الموضوع إلى أن تخلص النساء من دور التابع الأقل منزلة الذي انحدرت إليه الكثيرات منهن في المجتمعات الإسلامية، سيؤدي إلى تسريع عجلة التقدم الاقتصادي والاجتماعي في تلك البلدان ودفعها في اتجاهات إيجابية·
فإذا ما تناولنا المجال الاقتصادي، سنجد أن بعض الدول العربية قد حققت تقدماً· ولكن تقرير الأمم المتحدة للتنمية الإنسانية الذي تم إعداده من قبل عدد من العلماء العرب، توصل إلى استنتاج مؤداه أن معدل التقدم مقيساً بالدخل الفردي في البلاد العربية، كان هو الأقل في العالم خلال العشرين عاماً الماضية، إذا ما استثنينا الدول الإفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى· وتوصل التقرير أيضا إلى أن ''معدل النمو السنوي الحالي الذي يبلغ 0,5 في المئة سنويا، إذا ما قدر له أن يتواصل في المستقبل، فإن معنى ذلك أن المواطن العربي سيحتاج إلى 140 سنة، حتى يتسنى له مضاعفة دخله الفردي، في حين أن المواطنين في مناطق أخرى يمكنهم مضاعفة دخلهم في فترة تقل عن عشر سنوات''·
وتوصل التقرير أيضاً إلى أن إيقاف تطور التعليم وتمكين المرأة، قد مثل عائقاً رئيسياً للتقدم في البلدان العربية·
ونظرا إلى أن هناك امرأة من بين كل امرأتين في العالم العربي لا تعرف القراءة والكتابة، فإن التقرير خلص أيضا إلى القول إن ''المجتمع بشكل عام يعاني من حقيقة أن نصف قوته الإنتاجية تقريباً مخنوقة وغير قادرة بالتالي على المشاركة''·
وهناك أيضا قدر من التقدم تحقق في مجال العمل السياسي· فعلى سبيل المثال تم تخصيص 25 في المئة من مقاعد البرلمان وفقا للدستور الجديد للنساء في كل من أفغانستان والعراق· ولكن هناك العديد من العوائق في هذا المجال· من أمثلة تلك العوائق أنه على الرغم من أن الدستور العراقي الجديد يستطيع أن يدعي أنه قد منع -على الورق- وجود أي تفرقة على أساس الجنس (ذكر أو أنثى)، فإن دعاة الإصلاح يذهبون إلى القول إن هذا المبدأ يمكن استغلاله من خلال تفسيره وفقا للشريعة الإسلامية وبما يضر بالمرأة· من المهم بالنسبة للغربيين أن يفهموا أنه في حين أن الكثيرات من النساء في العالم العربي يردن أن يلعبن دورا أقوى في مجتمعاتهن، إلا أن استراتيجيتهن لذلك تقع أحيانا ضمن إطار الدين الإسلامي أو الشريعة الإسلامية·
وفي مقال ظهر في مجلة ''فورين آفيرز'' كتبت '' إيزوبيل كولمان'' وهي من الخبراء في هذا الموضوع تقول إن'' الشريعة الإسلامية نص مشرع على قراءات مختلفة أي يمكن فهمه بطرائق عديدة وأنه يوجد الآن عبر العالم الإسلامي اليومي مسلمون تقدميون يسعون إلى تفسير قواعده من أجل توفير دور معاصر للمرأة''·
وقد يفسر هذا إلى حد كبير الاستقبال غير المتوقع الذي لقيته ''كارين هيوز'' من النساء المسلمات في السعودية العام الماضي· فهيوز التي كان قد تم تعيينها وكيلة لوزارة الخارجية لشؤون الدبلوماسية العامة، كان يفترض أن تقوم ضمن واجبات منصبها بفتح حوار مع العالم الإسلامي· وكان من المنطقي أن تسعى هيوز أول ما سعت إلى اللقاء بالمرأة العربية التي كانت تقول إن هناك الكثير من الخصائص المشتركة بينها وبين المرأة الغربية· ومع ذلك فإنها عندما ذهبت إلى السعودية وقالت إن من حق المرأة هناك أن تقود سيارة مثلها في ذلك مثل المرأة الأميركية، فإن بعض الحاضرات عارضن ما تقوله وقلن إنهن لسن بحاجة إلى قيادة السيارة في الأصل!· ربما يقول البعض إن النساء اللائي اجتمعن مع هيوز يتحدثن من منطلق واقع مغاير لواقع المرأة الأميركية، لكن الشيء المؤكد كما تقول الآنسة ''إيزابيل كولمن'' هو أن الإصلاحيين والإصلاحيات في العديد من البلدان العربية قد تخلوا عن محاولاتهم الرامية لإحلال القوانين العلمانية محل الشريعة الإسلامية، وسعوا بدلا من ذلك إلى تكريس حقوق المرأة داخل الإطار الإسلامي ذاته·
والحجة التي يستخدمها الإصلاحيون في مواجهة هذه الأنظمة المحافظة هي أن الإسلام بالفعل دين تقدمي جداً بالنسبة للمرأة، ولكن المشكلة هي أنه قد تعرض للتحريف بسبب التفسيرات الانتقائية وبسبب والخلط بين التعاليم الإسلامية وبين العادات والتقاليد القبلية·
وهكذا فإنه إذا ما أُريد للديمقراطية أن تزدهر في العالم الإسلامي فإننا يجب أن ندرك أنها ربما لن تكون ديمقراطية كتلك التي نعرفها في الغرب· ربما تكون ''الحرية'' هي الكلمة الأفضل التي يمكننا أن نصف بها ذلك· وعلى الرغم من أن الحرية قد تأتي بأشكال مختلفة في الدول المختلفة وأن الثقاف