هل سيكون لدينا مجلس وطني منتخب بنصف أعضائه؟··· هل سيكون اختيار هؤلاء الأعضاء عن طريق الاقتراع المباشر من الناخبين؟··· هل سيتم ترشيح الأعضاء المنتخبين بناء على برامج جاهزة شبيهة ببرامج الأحزاب السياسية في الديمقراطيات بالبلدان التي سبقتنا في تطبيق التجارب الانتخابية؟
أسئلة كثيرة مشابهة طرحت في مختلف الأروقة الاجتماعية مع صدور القرار السامي الذي أصدره صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ''حفظه الله ورعاه''، والقاضي بتفعيل دور المجلس الوطني الاتحادي عبر انتخاب نصف أعضائه· وبهذه الخطوة التي تنم عن قدرة سموه على قراءة المستقبل والتفاعل بحكمة مع معطيات الحاضر، تبدأ دولة الإمارات عهداً ديمقراطياً جديداً بمواكبة المتغيرات التي شهدها العالم في الألفية الثالثة، حيث سيتم تنظيم انتخابات برلمانية للمرة الأولى في تاريخ البلاد، في نوع من الموازاة مع إعادة ترتيب الأوضاع والنظم الداخلية بإعادة تأهيل لهياكل المؤسسات الحكومية الاتحادية القائمة·
والسؤال الأهم من كل هذا وذاك، والذي يجب أن نسأله أنفسنا هو: ما هي المعايير التي ستبني عليها دولة الإمارات تجربتها الديمقراطية الوليدة؟ هل سنبدأ من حيث انتهى الآخرون في تجاربهم؟ ولكن السؤال الأهم هنا هو: هل كانت تجارب كل هؤلاء ''الآخرين'' ناجحة ويؤخذ بها كنماذج صالحة للأزمنة القادمة؟ إن الذين يتصورون أن تطبيق التجارب الديمقراطية لا يتم إلا عبر تكتلات وأحزاب سياسية ودينية، عليهم ألا ينسوا أن لمجتمع الإمارات خصوصية مميزة جداً دونا عن كل المجتمعات الشرقية تقريباً· وهذه الخصوصية لا تقبل بوجود مثل هذه التكتلات والتحزبات التي تكون ثلاثة أرباع انتمائها وولائها في الغالب مرتبطة بالخارج· فمجتمع الإمارات مجتمع مسلم قولا وفعلا وتطبيقا، وليس بحاجة لمن يأتي من أسفل الطاولة، فينشر بخبث ومكر وألاعيب قذرة، فكرا قائما على ''تسييس الدين'' أو استغلال الدين في تبرير كل مسلك سياسي قبيح·
وعلى الذين اطلعوا على تجارب للانفتاح السياسي في شتى بقاع الأرض، أيضا ألا ينسوا أن دولة الإمارات، دونا عن جميع دول العالم تقريباً، استطاعت بفضل الله وعونه، وبحكمة وحنكة القيادة الرشيدة التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على هذه الأرض الطيبة، أن تمضي قدما خلال أكثر من ثلاثة عقود، وأن تحدث نقلة حضارية وتنموية شاملة في كافة مجالات الحياة، بصورة مذهلة يحسدنا عليها القاصي قبل الداني· وأن هذه القيادة ماضية بعون الله تعالى، في تحقيق أفضل صور النجاح في مجال حقوق الفرد والسهر على راحته وتحقيق أعلى درجـــات الرفاهية والأمن والاستقرار له·
إن دخول أي مجتمع في تجربة حديثة عليه كتجربة الديمقراطية والانفتاح السياسي، طريق محفوف بالكثير من المخاطر إذا لم نتنبه إلى ما تتطلبه هذه التجربة من وعي كامل بأن الوطن والولاء للوطن وللقيادة الحكيمة التي بنت كل ركن من أركانه، هو أمر غير قابل للمساس، بل هو أمر مقدس يأتي فوق أي اعتبار· ولا نريد أن نذكر أحداً بتجارب الآخرين الذين فتحوا الأبواب أمام تحزبات وتكتلات سياسية، وتركت الحبل على الغارب لكل من ينقصه الفهم الواعي لمعنى الولاء للوطن وللقيادة المؤسسة والبانية، فإذا بها أمام تشكيلات من التجمعات السياسية التي ارتدت رداء الدين تارة، ورداء اليسار والعلمانية تارة أخرى، فصارت تتلقى الأوامر والتعليمات من خارج حدود أوطانها· فكانت بعض التجارب وبالاً على رؤوس أصحابها، لأنها وضعت الولاء للوطن وللقيادة ولأولياء الأمر في ذيل قائمة الأولويات!