دعونا نفكر قليلا في التحديات التي تواجهها المملكة الأردنية الهاشمية عقب الانفجارات الإرهابية التي هزت العاصمة عمان واستهدفت ثلاثة فنادق تغص بالمدنيين· وبالنظر إلى حجم المشاكل والأخطار التي تحيط بالمملكة وسط إقليم ملتهب على جميع الجهات في إسرائيل والعراق وسوريا، فقد تضاعف حجم التحديات الجسيمة التي تواجه الأردن، لا سيما فيما يتعلق بالخطر الذي تطرحه العناصر الإسلامية الراديكالية على أمن وسلامة المملكة· وكما كان والده فإن الملك عبد الله الثاني يتمتع بشعبية واسعة في المملكة المتحدة حيث يحظى بتقدير عموم البريطانيين ويضعونه في مكانة عالية قد لا يصلها أي حاكم آخر في الشرق الأوسط· وإذا كان العاهل الأردني قد أثبت جدارته منذ توليه الحكم في بلاده كرجل دولة، إلا أن ذلك لا يخفي فضائله الفردية التي عرفها البريطانيون عندما كان الملك يدرس في أكاديمية ساندهيرست حيث عرف عنه الحزم والجدية والمثابرة· وقد مكنه منصبه السابق كقائد للقوات الخاصة الأردنية من الاطلاع الكامل على طبيعة الخطر الذي يحدق ببلاده، والطريقة المثلى للتعامل معه·
وكما أسلفت الذكر فقد تعرضت ثلاثة فنادق لتدمير كبير نتيجة التفجيرات القوية التي نفذت بداخلها وهي على التوالي فندق ''راديسون'' و''جراند حياة'' و''دايز إن'' وخلفت العديد من القتلى تجاوز عددهم 60 قتيلا، فضلا عن المئات من الجرحى والمصابين· وبالمقارنة مع تفجيرات لندن في السابع من يونيو الماضي فإن عمليات الأردن تظل أكبر وقعا وأبلغ أثرا، حيث استخدمت فيها سيارة محملة بكميات كبيرة من المتفجرات، كما تم استخدام الأحزمة الناسفة التي تزنر بها الانتحاريون وفجروها في ردهة الفندق الغاصَّة بالرواد، وهو ما يفسر هذا العدد الكبير من الضحايا الذين لقوا حتفهم في العمليات· ومن الواضح أن اختيار تلك الفنادق دون غيرها لم يأتِ اعتباطا، حيث كثيرا ما يرتادها المتعاقدون الأميركيون خلال رحلاتهم من وإلى العراق، فضلا عن الصحفيين والدبلوماسيين الأميركيين الذي كانوا يتوقفون بها قبل الدخول إلى العراق·
وكما كان متوقعا لم يمض سوى وقت قصير حتى سارع أبو مصعب الزرقاوي، وهو ممثل تنظيم القاعدة في العراق إلى إعلان مسؤوليته عن الانفجارات· ويُذكر أن الزرقاوي يواجه أحكاما طويلة بالسجن في الأردن بسبب جرائم سابقة، كما أن البلدة التي ينسب إليها ''الزرقاء''، وهي عبارة عن مركز صناعي، لا تبعد كثيرا عن العاصمة عمان· وبالرغم من الجرائم العديدة التي ارتكبها الزرقاوي في حق الأردن كتفجير السفارة الأردنية ببغداد في أغسطس ،2003 إلا أن العمليات الإرهابية الأخيرة تعد الأسوأ في تاريخ الأردن منذ عدة عقود· ويرجع السبب المعلن وراء هذه الهجمات وفق ما جاء في بيان للقاعدة نشر في أحد المواقع الإلكترونية الأصولية إلى رغبة تنظيم القاعدة في معاقبة الأردن على الصلات الوثيقة التي تجمعه بأميركا وباقي الدول الغربية·
وبالرغم من أن السلطات الأردنية كانت منذ فترة تتوقع حدوث مثل هذه العمليات بالنظر إلى التهديد الذي باتت تطرحه الجماعات الإسلامية المتشددة على أمن المنطقة برمتها، والتحذيرات المتصاعدة من خطر المقاتلين العرب في العراق على غرار المشاكل التي أثارها الأفغان العرب في بلدانهم، إلا أن وقع الصدمة كان باديا على عموم الأردنيين حكومة وشعبا· ومما زاد في غضب الشارع الأردني أن معظم الضحايا الذين قضوا في التفجيرات لم يكونوا أميركيين أو غربيين، بل كانوا من المواطنين الأردنيين بمن فيهم الفلسطينيون· ومرة أخرى تتورط القاعدة في قتل الأبرياء من المسلمين، وهو ما يثير قدرا كبيرا من الشكوك والتساؤلات إزاء العمليات التي تنفذها القاعدة ومدى تماسك خطابها الأيديولوجي الذي يفقد أية مصداقية· ولعل المشهد الأكثر مأساوية هو قيام أحد الانتحاريين بتفجير نفسه في حفل زفاف بفندق راديسون ما أدى إلى سقوط 17 قتيلا· وإزاء هذا الدمار والدم المسفوح لم يتمالك الأردنيون أنفسهم فراحوا يجوبون شوارع عمان بسياراتهم حاملين الأعلام الأردنية ومرددين بأعلى أصواتهم ''الموت للزرقاوي الحقير والخائن''·
وطيلة المدة التي قضاها العاهل الأردني في الحكم قام بإدارة شؤون بلاده بحزم وساسها بإرادة صلبة، وكما هو الأمر في باقي الدول العربية تعتمد الأردن على أجهزة أمنية فعالة وقوية تعمل بتعاون وثيق مع الاستخبارات البريطانية والأميركية· ومنذ توليه السلطة ظل الجيش الأردني يحافظ على ولائه التام للملك تماما كما كان الحال مع أبيه الراحل· أما الصحافة في الأردن فهي تتمتع بحرية محدودة، حيث مازال بعض الأردنيين يحجمون عن توجيه انتقادات علنية للسلطات· وربما يكون الملك عبد الله الثاني أراد عبر المساندة للولايات المتحدة ألا يكرر موقف والده الذي رفض المشاركة في حرب العراق الأولى إلى جانب بوش الأب متسببا في غضب الولايات المتحدة في ذلك الوقت· أما اليوم فإن الأردن يتلقى مساعدات مادية سخية من قبل واشنطن·
ومع بروز المشكل العراقي أصبح الأردن قلقا حيال وضعه الأمني في