في الوقت الذي مازال فيه الأردن منهمكاً في عد حصيلة ضحايا تفجيرات عمان الإرهابية، وبينما تواجه فرنسا وبريطانيا فضلا عن باقي الدول الأوروبية خطر العنف المحلي، فليس من الغريب أن تتساءل الولايات المتحدة عن مدى حصانتها ضد هذه الموجة من العنف الداخلي· وفي الواقع أن هذا التساؤل ليس وليد اللحظة، بل أثير طيلة الخمس سنوات التي أعقبت عمليات 11 سبتمبر، حيث برز السؤال الملح: هل يمكن أن تندلع أعمال عنف في أميركا يقودها المسلمون الأميركيون؟ وما هي أفكار ومشاعر ما بين ثلاثة إلى ستة ملايين من المسلمين يعيشون في الولايات المتحدة؟
طيلة الفترة السابقة سعى معظم المسلمين الأميركيين بمن فيهم المجلس الإسلامي للشؤون العامة الذي أترأسه للإجابة على هذا السؤال بتوضيح موقفنا وتبديد الغموض حيث قمنا بمخاطبة الكنائس والمعابد اليهودية والجامعات ثم الكونجرس مشددين على أننا كمسلمين أميركيين ملتزمون بالعيش في هذا البلد، ومستعدون للتعاون مع باقي الأميركيين من أجل ضمان أمنه والمحافظة على قيمه، كما أكدنا على رفضنا القاطع لتنظيم ''القاعدة'' والإرهاب· ومن المهم أن نذكّر الأميركيين ونطمئنهم بأن ما حدث في فرنسا مؤخرا من فوضى وأعمال شغب طالت ضواحي المدن الكبرى من غير المرجح أن يمتد إلى الولايات المتحدة نظرا للتباين الحاصل بين الجالية المسلمة في أوروبا ونظيرتها في أميركا· فبينما يعاني المسلمون الأوروبيون من عدم الاندماج والتهميش علاوة على عبء التاريخ الذي يؤجج التوترات الاجتماعية ويتسبب في التهميش والإقصاء وعزل المهاجرين في جيتوهات بائسة، نجد أن المسلمين الأميركيين أوفر حظا وأحسن حالا سواء على الصعيد الاقتصادي أم الاجتماعي·
وفي هذا الإطار يجدر التذكير بأن المسلمين الأميركيين يساهمون بحوالى 90 مليار دولار في الاقتصاد الأميركي كل سنة· بالإضافة إلى أن شريحة عريضة من المسلمين حصلوا على أعلى الدرجات العلمية في شتى المجالات العلمية والفنية، ومجال إدارة الأعمال· لذا فإننا نقول بأعلى صوتنا إن أميركا هي وطن لنا وأرجو أن يكون ذلك واضحا سواء بالنسبة للمتشددين في الخارج أو المتعصبين الذين يكرهون المسلمين في الداخل· لكن وبالرغم من عدم وجود حيف اقتصادي أو اجتماعي يطال المسلمين بشكل خاص كما هو الحال بالنسبة للمسلمين في أوروبا، إلا أنه مازال هناك إقصاء سياسي يزيد في تكريس عقلية الجيتو والانعزال لدى المسلمين· ومع الأسف لم تُجدِ كثيرا محاولتنا الحثيثة الساعية إلى الانخراط في الحياة العامة بالولايات المتحدة والمشاركة السياسية الفاعلة للارتقاء السياسي بالمسلمين الأميركيين الذين مازالوا عرضة لجرائم الكراهية والعنصرية· ولاشك في أن هناك قلة قليلة من ملايين المسلمين الذين يعيشون في أميركا هم ممن يتبنون بعض الأفكار الخاطئة ويميلون إلى التطرف· وأفضل طريقة للتعامل مع هؤلاء هي عزلهم والتعاون مع أجهزة إنفاذ القانون من أجل محاصرتهم وتطويق خطرهم على أن يبقى العزل محصورا في تلك الشريحة الصغيرة وألا يمتد إلى باقي الجالية المسلمة في الولايات المتحدة·
وفي أحيان كثيرة ينظر إلى الإرهابيين على أنهم يوظفون التعاليم الإسلامية من أجل تبرير الإرهاب والحض على العنف ضد الآخرين، لكن في المقابل هناك أعداد أكبر من المسلمين تنطلق من تعاليم الدين الإسلامي السمحة لدحض مقولات التشدد والتطرف، وتدعو إلى العيش بسلام داخل أميركا في احترام تام للقانون والتزام كامل بمقتضياته· والأكيد أن السواد الأعظم من الجالية المسلمة في أميركا يندد بالعنف والإرهاب ويرفض أن ينظر إليه كوسيلة لمعالجة المشاكل الاجتماعية التي يعاني منها المسلمون عبر العالم· وأخيرا فإنه من شأن التمسك بهذه المواقف المتحضرة والمنبثقة أساسا من الدين الإسلامي أن يعطي للمسلمين الأميركيين قوة أكبر للتأثير في الحياة العامة الأميركية والدفاع عن قضايا الإسلام والمسلمين سواء في الداخل أو الخارج·
ينشر بترتيب خاص مع خدمة ''لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست ''