من المقرر في نهاية العام الحالي أن ينتهي الجدول الزمني لخطة ''خريطة الطريق'' للشرق الأوسط، والتي سُلمت لإسرائيل والسلطة الفلسطينية منذ ثلاث سنوات، بهدف إعادة إطلاق عملية السلام التي كانت قد توقفت بين الطرفين·
وفي حين أن الكثيرين - مدفوعين إلى ذلك بالانسحاب من قطاع غزة وبروز قيادة فلسطينية تبدو معتدلة- قد يظنون أنه لا يزال هناك مستقبل أمام خطة خريطة الطريق إلا أن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أنه ما لم تتم مراجعة تلك الخطة فلن يكون لها من فائدة سوى استخدامها كذريعة للتأجيل المستمر من قبل هؤلاء الذين لا يريدون العودة إلى طاولة المفاوضات·
ولو عدنا بالذاكرة إلى أبريل 2003 فسوف نجد أن الوضع كان على النحو التالي: كان ياسر عرفات هو رئيس السلطة الفلسطينية، ولم يكن الإسرائيليون ينظرون إليه على أنه شريك يمكن الاعتماد عليه، ولذلك لم يكن رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون على استعداد لمواصلة تنفيذ اتفاقيات أوسلو التي كان الطرفان قد توصلا إليها قبل ذلك بعقد من الزمان، وبالتالي لم تكن هناك نهاية تلوح في الأفق لدائرة الإرهاب والانتقام ثم الإرهاب التي كانت سائدة في ذلك العام· تحت هذه الظروف قامت المجموعة ''الرباعية'' التي تضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، باقتراح خطة كانت تتطلب من طرفي الصراع الوفاء بمجموعة من التعهدات، قبل العودة مجددا إلى المفاوضات بغرض التوصل في النهاية إلى الوضع النهائي والدائم الذي سيقوم بين الإسرائيليين والفلسطينيين·
بموجب خريطة الطريق، كان من المفترض أن تقوم إسرائيل بتجميد بناء المستوطنات في الأراضي المحتلة، قبل حلول مايو ،2003 أما بالنسبة للفلسطينيين فكان مطلوبا منهم إجراء إصلاحات سياسية شاملة، وأن يوقفوا نشاط المنظمات الإرهابية مثل منظمة حماس وأن يقوموا بجمع جميع الأسلحة غير المرخصة من المواطنين الفلسطينيين·
وكان من المفترض إلى جانب ذلك أن تقوم الأطراف في موعد غايته2004 بالموافقة على إنشاء دولة فلسطينية ذات حدود مؤقتة، على أن يقوم الطرفان في موعد غايته نهاية عام 2005 بالتوصل إلى اتفاقية دائمة· أما دور اللجنة الرباعية فكان ينحصر في مراقبة التزام كل طرف من طرفي النزاع بالتعهدات التي قطعها على نفسه، وإصدار التفويض اللازم لهما للانتقال إلى مرحلة تالية·
وما حدث في الواقع أن جميع الأطراف (الطرف الإسرائيلي والفلسطيني واللجنة الرباعية) قد أخفقت في الالتزام بتعهداتها· فاللجنة الرباعية أخفقت في مراقبة التزام الطرفين بطريقة جادة، كما أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس المقرر أن يقابل بوش في واشنطن الثلاثاء القادم، اختار أن يتوصل إلى وقف لإطلاق النار مع ''حماس'' بدلا من الدخول في صراع معها· أما شارون فعلى الرغم من قيامه بالانسحاب من غزة، فإنه لا يفكر في فرض أي تجميد على عمليات البناء والإنشاءات في الأراضي المحتلة· وبدلا من ذلك وفي تحد صارخ لبنود خريطة الطريق، يقول شارون إنه ليس هناك ما يدفعه للوفاء بالتزاماته في الصفقة ما لم يقم الطرف الفلسطيني أولا بالوفاء بالتزاماته·
وفي الاجتماع الذي سيعقده بوش مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الثلاثاء القادم، ستكون متوافرة أمامه عدة خيارات: إما القيام بمراجعة التواريخ الأصلية في خطة خريطة الطريق، واقتراح أن يقوم الطرفان بالتوصل إلى اتفاقية بشأن الوضع النهائي في موعد غايته 2008 (أي عند نهاية فترة ولايته الثانية حتى يتسنى له نقل مسؤولية الموضوع برمته إلى الرئيس التالي للولايات المتحدة)· أو يستطيع أن يقوم بشجاعة باقتراح نموذج سياسي جديد يضع في حسبانه الظروف الجديدة، وأن يقوم برعاية والإشراف على الطرفين، وحثهما على الدخول في مفاوضات حقيقية، للتوصل إلى اتفاقية دائمة تكون على غرار ''مبادرة جنيف غير الرسمية'' التي كنت أقود فيها الوفد الإسرائيلي المشارك في اجتماعات تلك المبادرة· غير أن فرصة حدوث ذلك تكاد لا تذكر للأسف الشديد·
الاحتمال المرجح، هو أن الرئيس بوش سيطلق على محمود عباس - كما سبق أن أطلق عليه من قبل- لقب الشريك الجدير بالتعامل معه، ثم يقوم الرئيسان بإعادة إعلان التزامهما بخريطة الطريق دون أن تكون لدي أي منهما أية نية لتنفيذها· وسينتهي الموعد النهائي المحدد للخريطة دون ضجة، وبعد ذلك تموت الخطة نفسها تدريجيا دون إعلان رسمي·
يجب علينا أن نتذكر أن العام القادم سيشهد انتخابات في كل من السلطة الفلسطينية وإسرائيل، وستكون هناك مطالبات خارجية قليلة لتحقيق إصلاح سياسي· وفي مثل هذه الأجواء سيتفاقم الإحباط ويزدهر التطرف بما يؤدي في نهاية المطاف إلى استئناف العنف· ولكن هناك خياراً آخر وهو أن يقوم بوش بالاعتراف بأنه لا توجد هناك رغبة على الإطلاق لدى الطرفين لإكمال خريطة الطريق (ولا حتى المرحلة الأولى منها) وأن يعترف بعقم أية محاولات إضافية لإطلاق تلك الخطة مجددا ثم يعلن أنه قد قرر أن يقوم بتعليقها وإعفاء الطرفين من التزاماتهما المترتبة عليها· إن إطلاق رصاصة