تخيل أنك في الثلاثاء الأول من نوفمبر عام ،2004 يوم انتخابات الرئاسة الأميركية، وأنك أثناء توجهك للمقر الانتخابي الذي ستدلي فيه بصوتك، لاحظت فارقا كبيرا بين هذا اليوم وبين غيره من أيام الثلاثاء الأولى من شهر نوفمبر في السنوات السابقة· تمثل هذا الفارق في عربات همفي المدرعة التابعة للحرس الوطني الواقفة خارج المقر حاملة جنودا مدججين بالسلاح، وفي نظرات القلق والتشكك التي كان الناخبون يرمقون بها تلك العربات، ويرمقون بها المارة في الطريق·
كانت البلاد -أنت لا زلت تتخيل- قد تعرضت لسلسلة من التفجيرات الانتحارية، التي بدأت في اليوم نفسه الذي انطلقت فيه المناظرة الانتخابية، مما جعل الأنظار تنصرف عنها، وتتجه نحو شيء واحد هو الإرهاب· كان الصوت الأعلى أثناء تلك الحملة الانتخابية هو صوت قائد إرهابي يتخفى داخل كهف في الجانب الآخر من العالم ·
السيناريو السابق بالطبع هو سيناريو مبني على تكهنات· فنحن لا نعرف ما إذا كان الإرهابيون سيضربون خلال الحملة الانتخابية الرئاسية القادمة أم لا·· كما أننا لا نعرف أيضا متى سيتم هذا الهجوم ولا أين· نحن لا نعرف أيا من ذلك·· ولكن التفجيرات الإرهابية الأخيرة التي وقعت في اسطنبول، تجعلنا لا نستبعد وقوع تفجيرات مماثلة في أميركا، خصوصا وأن التاريخ قد أثبت لنا أن الضرب خلال الانتخابات يعتبر أداة فعالة في أيدي الإرهابيين·
خلال الفترة الأخيرة شاركت في ترؤس اجتماع ضم متخصصين في الأمن ومقاومة الإرهاب· خلال ذلك الاجتماع تنبأ أكثر من ثلثي الحاضرين بأنه من المحتمل أن يقوم الإرهابيون بهجوم كبير في الولايات المتحدة قبل نهاية عام ،2004 وأن ذلك الهجوم سيكون أكبر من الهجمات التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر، وأنه من المحتمل جدا أن يتضمن استخدام أسلحة للدمار الشامل·
الانتخابات -كما أثبتت وقائع التاريخ- كانت تمثل دائما هدفا مغريا للإرهابيين· حدث هذا في إسرائيل، وكولومبيا، وسيريلانكا، وإسبانيا، وتركيا، بهدف التأثير على النتيجة النهائية للانتخابات· ولدينا هنا في أميركا تجربة تمكنت فيها عناصر راديكالية خارجية من التأثير على نتيجة الانتخابات وذلك عندما قامت عناصر من الحرس الثوري الإيراني باقتحام، والاستيلاء على، سفارة الولايات المتحدة في طهران ما أدى إلى نشوء ما يعرف باسم أزمة الرهائن، التي كانت سببا في خسارة الرئيس جيمي كارتر للانتخابات الرئاسية·
من منظور الإرهابيين ليس الهدف من شن هجوم أثناء الانتخابات هو تدمير هدف مادي، ولكن توجيه ضربة معنوية وسيكولوجية تهدف إلى زعزعة الأمن والاستقرار ونشر الخوف· لذلك ، يجب علينا في المقام الأول، أن نعرف أننا لا نخوض حربا بالمعنى التقليدي·· وإنما نخوض حربا هدف العدو فيها ليس هو تدمير مبنى، أو قتل أشخاص، ولكن تقويض الحالة النفسية ، والتأثير على الروح المعنوية، وأحداث حالة من الاضطراب السياسي والاجتماعي·
لذلك يجب علينا أن ندرك ونحن نقوم بوضع أولويات سياستنا الأمنية الداخلية أننا لسنا مطالبين بحماية مقدراتنا القومية فقط، لأن تركيزنا على ذلك فقط سوف يجعلنا نهمل في حماية أهداف أخرى، ويجعل من تلك الأهداف صيدا سهلا للإرهابيين·
يجب علينا إذاً أن ندرك أن حماية مصادر قوتنا النفسية، لا يقل في الأهمية بأي حال من الأحوال عن حماية مصادر قوتنا المادية -إن لم يكن يزيد عنها- وهو ما يتطلب منا وضع تلك المقدرات على رأس قائمة أولويات سياستنا الأمنية·
والسؤال الذي يواجهنا في هذا النقطة هو: كيف سيكون رد فعل قادتنا السياسيين، في حالة وقوع هجوم كبير على المصالح الأميركية خلال الفترة الواقعة بين الآن و يوم الانتخابات؟ لا نستطيع أن نتكهن بذلك، ولكن قادتنا يجب أن يعوا جيدا أن القائد الذي سيبدي ضعفا، أو يهتز، أو يعجز عن رد الفعل الإيجابي، سوف ينتهي سياسيا كما حدث في حالة كارتر·لذلك فإن المرشح للانتخابات الرئاسية يجب أن يتصرف بحسم، وبقوة، وبطريقة محسوبة ومسؤولة، بحيث يثبت للناخبين أن السياسة التي قام بوضعها كانت تتحسب لوقوع مثل تلك الهجمات، وأنه بالتالي مستعد للتعامل معها ·
سؤال آخر: كيف يمكن لهجوم إرهابي أن يؤثر على مسار الانتخابات؟ في حالات كثيرة، ثبت أن الهجمات الكبيرة التي تقع قبل الانتخابات، قد أفادت المرشحين الذين يتبنون سياسات متشددة في التعامل مع الإرهابيين، وذلك كما حدث في إسرائيل، وفي روسيا، وفي تركيا، وبلدان أخرى·
يستدعي ذلك سؤالا آخر هو: طالما أن الوقائع التاريخية تدلنا على أن الهجمات الإرهابية تفيد المرشحين الأكثر تشددا في التعامل مع الإرهابيين·· فلماذا يقوم الإرهابيون بهجماتهم وهم يعرفون أن ذلك سيفيد هؤلاء المرشحين؟ الإجابة هي أنهم يفعلون ذلك لأنهم يعرفون أن الرؤساء المتشددين سوف يردون على هجماتهم، بشن هجمات عنيفة، واسعة النطاق، غير محسوب لها جيدا مما يبرر لهم الاستمرار في هجماتهم، ويبرر الطرق التي يستخدمونها في تلك الهجمات أمام الغير·
يجب علينا أن ندرك أن الإرهابيين يستهدفون في المقام الأول الن