إثر مرور عامين على الهجمات على برجي مركز التجارة العالمي ومبنى وزارة الدفاع البنتاجون ، لا يزال الكثير من المواطنين الأميركيين غير واثقين من الإجابة على أبسط الأسئلة من نوع: هل فزنا أم خسرنا الحرب على الإرهاب؟ ابتداء نقول إن هناك حقيقة مشجعة تتعلق بعدم وقوع هجمات تذكر داخل أراضي الولايات المتحدة الأميركية منذ وقوع هجمات الحادي عشر من سبتمبر ·2001 كما يمثل اعتقال عدد لا يستهان به من كبار قادة تنظيم القاعدة من أمثال أبو زبيدة وخالد شيخ محمد إضافة إلى اعتقال قادة الجماعة الإسلامية في جنوب شرق آسيا خطوة كبيرة جدا في العمل الاستخباراتي ونجاحا أمنيا فاق توقعات الجميع منذ نحو عامين من الآن·
في حديث قريب له أعلن الرئيس جورج بوش مؤخرا أن ثلثي كبار قيادات تنظيم القاعدة قد تم أسرهم أو قتلهم مما يعني أن التنظيم الجهادي قد تلقى ضربة موجعة أضعفت قدراته وجعلت أداءه يتراجع كثيرا عن ذي قبل· لكن وفي الوقت ذاته فقد شهد العامان الماضيان موجة غير مسبوقة من تصاعد الهجمات الإرهابية خارج حدود الولايات المتحدة الأميركية، بما فيها هجمات جزيرة بالي ومسرح موسكو ومومباسا والرياض· وما تلك سوى بعض نماذج الإرهاب الأكثر دموية التي وقعت مؤخرا عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر·
وعلى رغم أن منفذي الهجمات على السفارة الأردنية في بغداد وكذلك مبنى الأمم المتحدة والمسجد الشيعي في النجف لا يزالون مجهولين، إلا أن المعروف هو أن الجهاديين يتسللون بأعداد كبيرة إلى الحدود العراقية وأنه ليس مستبعدا أن تكون لهم يد في تلك الأحداث، وإن لم يكن ذلك قد تم بالأمس فغدا بالتأكيد· الأخطر من ذلك كله أن آيديولوجية أسامة بن لادن وتنظيمه القاعدة لا تزال تجد لها رواجا واسعا عند عدد كبير من مسلمي العالم، حتى وإن كانت شوكة التنظيم نفسه قد كسرت مؤقتا على الأقل· فحتى علماء ومشايخ المسلمين الذين كانوا يعدون إلى وقت قريب من المعتدلين، شعروا أن البساط يسحب من تحت أقدامهم وأن كفة الميزان ترجح أكثر فأكثر لصالح المتشددين والمتطرفين فتأثروا هم أنفسهم بهذا المد المتشدد·
على الصعيد نفسه فإذا كانت استطلاعات الرأي العام تمثل أحد أهم المقاييس التي يعول عليها، فدونك ذلك الاستطلاع الذي أجراه مركز بيو للدراسات في شهر يونيو المنصرم ضمن عدد آخر من استطلاعات الرأي· فقد أظهر هذا الاستطلاع مدى التراجع الذي طرأ على صورة الولايات المتحدة الأميركية الضعيفة والهزيلة أصلا على امتداد العالم الإسلامي كله· كما أشار الاستطلاع أيضا إلى أن المزيد والمزيد من المسلمين العاديين يفكرون على نهج الجماعات الإسلامية المتطرفة المتشددة ويحذون حذوها في نظرتها وتقييمها للأمور·
فعلى رغم أننا ننظر إلى ما نقوم به في العراق على أنه مهمة تحريرية تجشمنا تكلفتها ومشاقها وتحدياتها الجسيمة، إلا أن الكثيرين جدا من المسلمين العاديين ينظرون إلى الولايات المتحدة الأميركية على أنها عدو للإسلام وأنها عازمة على هدم الإسلام وإخضاع معتنقيه لنفوذها وسيطرتها· يجدر بالذكر أن هذا المد الراديكالي والاتجاه أكثر فأكثر نحو التطرف في أوساط المسلمين لا يقتصر على أولئك الذين يقطنون بلدان العالم الإسلامي وحدهم، وإنما يمتد ليشمل الجاليات المسلمة التي تعيش في الدول الأوروبية أيضا·
وبالنظر إلى كل هذه الاعتبارات وعلى رغم هذا النجاح التكتيكي الذي أحرزناه في حربنا على الإرهاب وما يبدو من فاعلية الاستراتيجيات التي تبنيناها ضده، يبقى علينا أن نكون مفتوحي العيون والبصيرة على المخاطر النائمة والمحدقة بنا· لذا فإنه لابد من الإشارة إيجازا إلى بعض المحاذير فيما يلي: أولا: سيظل العراق ما بقينا فيه عسكريا، مركزا استراتيجيا للنشاط الإرهابي الذي يستهدفنا ويستهدف وجودنا في الأساس· ثانياً: صحيح أن الولايات المتحدة قد كسبت بعض الوقت قبل تعرضها لموجة هجمات إرهابية جديدة داخل أراضيها حتى الآن، غير أننا يجب ألا نكون من الغفلة والسذاجة إلى درجة أن نفترض أن مسرح العمليات كلها قد انحصر فيما يجري الآن في العراق وأن بلادنا لن تتعرض لهجمة إرهابية جديدة في الداخل، بما في ذلك احتمال تعرضنا لهجمات تستخدم فيها أسلحة الدمار الشامل· كيف لا وقد أظهر تنظيم القاعدة قدرة ومرونة هائلتين على تغيير تكتيكاته وأسلوب هجماته؟ ثالثا: وضمن هذه المحاذير، علينا أن ننتبه إلى إمكانية اتجاه النشاط الراديكالي الإسلامي إلى منحى لا محلي، أي أن يتخطى الحدود الجغرافية والسياسية المحلية ويتخذ شكلا دوليا وعالميا· فليس مستبعدا أن تنهج نهج تنظيم القاعدة وتكتيكاته منظمات وجماعات إسلامية لا صلة تربطها بالتنظيم حتى الآن وتسعى إلى تنفيذ عملياتها بِأسلوبه تماما· ولنا أن نتعظ بذلك الهجوم الذي نفذ في مدينة الدار البيضاء في شهر مايو الماضي· فقد كانت وراء ذلك الهجوم مجموعة صغيرة من مثل هذه الجماعات التي ربما لا تربطها صلة مباشرة بتنظيم القاعدة إلا أنها ربما تلقت دعما ماديا أو لوجستيا منه أو ما شابه·
ما يجب التحذير منه ع