لانتشار الإشاعات وتداولها آثار جسيمة وأضرار لا حصر لها على المجتمع، خصوصاً في الأوقات الاستثنائية والظروف غير الطبيعية كتلك التي يعيشها العالم كلّه حالياً نتيجة جائحة انتشار فيروس كورونا المستجد، فهي توهن الجبهة الداخلية وتشتت الجهد الوطني الذي يبذَل على الصعد كافة للتصدي للوباء، وتضلل الرأي العام وتسهم في نشر الفوضى وبث الرعب والهلع بين الناس، وبالتالي دفعهم إلى التصرف بطرق تلحق الضرر بهم وبالمجتمع ومؤسساته.
وانطلاقاً من ذلك كله تصنف الإشاعة، وخصوصاً السلبية، على أنها واحد من معاول الهدم التي يمكن استخدامها لتدمير الدول والمجتمعات، لاعتمادها على النخر من الداخل من خلال تشويه الوعي الجمعي وإضعاف الثقة بين أفراد المجتمع من ناحية والدولة ومؤسساتها من ناحية ثانية، وصولاً إلى حالة تصبح فيها عقول الناس وحالتهم النفسية رهينة لمطلِق الإشاعات يديرها بالتحكم عن بعد ويوجهها بالطريقة التي تخدم أهدافه ومساعيه الخبيثة المغرضة.
ولأنها تدرك ذلك وتعي بشكل كامل ما قد يترتب على غياب المعلومة أو قصورها أو نقصها من نتائج بالغة الضرر، خصوصاً في مجتمعنا الذي يتميز بتنوع ثقافاته وتعدد جنسيات من يعيشون فيه واختلاف ألسنتهم ومفاهيمهم، وتؤمن بأهمية دور المعلومة الدقيقة والآنية في الارتقاء بالوعي العام وتحقيق التعاون التام من قبل الجمهور مع جهودها وإجراءاتها الوقائية والعلاجية في مواجهة الوباء، كانت دولة الإمارات، وكعادتها، سبّاقة في تعزيز قنوات التواصل مع أفراد المجتمع كافة، وحريصة على إيصال المعلومات الحقيقية والدقيقة لهم وإطلاعهم أولاً بأول على التفاصيل التي تعزز وعيهم وتسهم في استمرار حياتهم الطبيعية، مع الأخذ بعين الاعتبار أهمية التقيد بالإجراءات الاحترازية والالتزام بالتعليمات والتوجيهات التي تصدر عن الجهات المختصة.
إن حرص الحكومة الرشيدة ومؤسساتنا الوطنية على انتهاج الشفافية والوضوح التام إزاء كل القضايا التي تهم المجتمع وفي مقدمتها «كورونا» لا تخطئه عين، فهو جلي كالشمس في رابعة النهار، ويتجسّد كلّ يوم على أرض الواقع من خلال إطلاع الجمهور بشكل دوري ومنتظم على التطورات كافة المتعلقة به عبر الإحاطات الإعلامية التي تنظمها حكومة الإمارات وتقدّم فيها معلومات وافية حول أعداد حالات الإصابة والتعافي والإجراءات والقرارات التي يتمّ اتخاذها في إطار جهود التصدي للمرض، بما في ذلك العلاجات المتوافرة والتقدّم الحاصل على صعيد البحث العلمي وجهود تطوير الأدوية واللقاحات المضادة للفيروس، فضلاً عن اللقاءات التي تجريها وسائل الإعلام المرئي والمسموع مع المسؤولين المعنيين، على اختلاف مواقعهم، لتقديم الصورة الكاملة والواضحة حول كل التفاصيل ذات العلاقة.
هذا المستوى من الشفافية والمصداقية لا يترك حجة لأي فرد سوي النفس وسليم النية للبحث عن المعلومات من مصادر أخرى أو اللجوء إلى جهات غير معروفة لاستيضاح الصورة، لأن ذلك يمثل المصدر الأساسي لانطلاق الإشاعة ومن ثم انتشارها، خصوصاً أننا نعيش في عصر الفضاء المفتوح الذي باتت وسائل التواصل الاجتماعي فيه الأكثر قدرة على توجيه الرأي العام والتأثير فيه والمجال الخصب لإطلاق الإشاعات التي تنتشر من خلال هذه الوسائل كالنار في الهشيم، الأمر الذي يحتّم على كل فرد يعيش على هذه الأرض الطيبة أن يكون عنصر بِناء وعامل مساندة للجهد الوطني للتصدي للجائحة، وأن يثق بشكل كامل بالمصادر الرسمية المخولة بالحديث عنها، وأن يعتمد على إعلامنا الرصين الذي يتسم بالمهنية العالية والقدرة على التعامل مع المعلومة ونقلها إلى الناس من دون تهويل ولا انتقاص من أهميتها أو إخلال بضرورات نقلها إلى العامّة بعيداً عن أحلام الشهرة وأمراض التشويق والإثارة.
نعم قد يتحول منشور أساء صاحبه استخدامه أو نقله إلى وبال عليه وعلى المجتمع، وقد يكلف الجهات المعنية الكثير من الجهد والوقت لمعالجة تبعاته وآثاره، وهو ما يفرض علينا مسؤولية أخلاقية بأن نكون حراساً ومراقبين على ذواتنا ومحيطنا نمنع الإشاعة ونساعد الجهات المعنية على الضرب على أيدي مروجيها حتى يتجاوز الوطن هذه المرحلة بسلامة وأمن وطمأنينة.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.
-