هناك نمط سائد فيما يبدو. فما أن يضطلع مسؤولون جدد بمهمة قيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل ويبدؤوا في وضع خطط للسنوات المقبلة، حتى تظهر أمامهم أزمة تهيمن على كل شيء. فقبل عقد من الزمن، اندلعت أزمة ديون أعقبت انهياراً مالياً عالمياً. وعمت الفوضى لفترة من الوقت، لكن الأمور خضعت تدريجياً للسيطرة. ثم بعد خمس سنوات، حدثت أزمة لاجئين ظهرت فجأة على الساحة. ومرة أخرى، شهدنا رؤساء الدول يهرعون إلى بروكسل لحضور اجتماع تلو الآخر. وتم التعامل مع الأزمة الآنية، وإن ظللنا نشعر بوطأة العواقب.
وحتى وقت قريب للغاية كانت كل المحادثات في بروكسل تجري عن «صفقة أوروبية خضراء» جديدة والتحول الرقمي القادم. ثم ظهرت وثائق عن السياسة الكبيرة في تدفق متواصل. لكن الآن، عادت الأمور إلى المعتاد من جديد وهو إدارة الأزمة. وهذه المرة، تواجه أوروبا أزمة متعددة الوجوه من ذالك النوع الذي لم نشهده من قبل. فكل سكان إيطاليا يخضعون حالياً للحجر الصحي. وعدد الحالات التي تم اكتشاف إصابتها بفيروس كورونا أعلى حالياً في فرنسا وألمانيا عما كانت عليه في إيطاليا حين صدر أول تحذيرات من السفر. والأمور ستتفاقم. والتحدي طبي ومالي، لكنه سياسي أيضاً. وتعاون الدول الأوروبية حاسم في التصدي للأزمة.
ومشاركة الدروس المستفادة هي أول خطوة للخوض في هذه المياه غير معلومة الغور. فالمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والتحكم فيها، المقابل الأوروبي لمراكز التحكم في الأمراض والوقاية منها في الولايات المتحدة، ينسق نشر المعلومات ويجمع الخبراء ويقدم النصح مباشرة لحكومات الاتحاد الأوروبي. وفي الأيام القليلة الماضية، شارك مديره في اجتماع طوارئ لوزراء صحة دول الاتحاد في بروكسل.
وربما يكون لأوروبا ميزات مهمة في هذه الأزمة، فهناك أنظمة صحية قومية تعمل بشكل جيد، وهناك تغطية صحية شاملة، وإجازات مرضية مدفوعة الأجر، حيث تتمتع أوروبا ببنية تحتية قائمة لتخفيف حدة غائلة وباء خطير للغاية. لكن التأثير الاقتصادي سيكون قاسياً على الأرجح. فالسياحة تمثل أكثر من 13% من الإنتاج المحلي الإجمالي لإيطاليا. وستكون هناك أضرار هائلة على امتداد قطاعات الاقتصاد، وسيتعين على الحكومة التحرك لتخفيف هذه الأضرار. ووجود دَين عمومي تبلغ نسبته 132% من الإنتاج المحلي الإجمالي سيؤدي لتقلص مساحة المناورة، رغم أنه من شبه المؤكد أن المفوضية الأوروبية ستسمح ببعض مساحة التصرف في ما يتعلق بأهداف العجز في الموازنة.
ومع مضي السياسة النقدية في مسارها أثناء أزمة الديون، سيتعين اتخاذ إجراءات في السياسة المالية. وسيكون هناك ضغط قوي من أجل إغلاق الحدود، لكن فرض حجر صحي على كل البلدان ليس استراتيجية قابلة للصمود تقريباً. بيد أنه ستكون هناك أصوات شعبية تدعو إلى إقامة جدران، ما تيسر إلى ذلك سبيل. وفي غمرة كل هذا ستكون ثمة أزمة جديدة للاجئين والهجرة. فقد نزح مئات الآلاف من سوريا بسبب هجوم سوري روسي على محافظة أدلب في سوريا منذ ديسمبر الماضي. وتركيا التي تتاخم سوريا شمالاً تشعر بأنها استقبلت أكثر مما تطيق من المهاجرين، لذلك وجهتهم إلى حدود اليونان أملاً في أن تجبر اليونانيين على فتح الحدود أمام اللاجئين السوريين. ويُرجح ألا تتكرر حالة اليأس التي شهدناها عام 2015 حين انتاب القلق الحكومات الأوروبية، وكان الشعبويون يكثرون من الصراخ مما خلق جواً عاماً متأزماً.
وعُقد بالفعل اجتماعان وزاريان طارئان للاتحاد الأوروبي بشأن كيفية التعامل مع تحدي كورونا. وفي مواجهة تحدٍّ بهذا الحجم، لن يكون هناك سيادة لأي دولة، فمهما بلغ تشديد السيطرة على الحدود لن يمنع هذا الفيروس من الدخول. لقد حان وقت العثور على حل مشترك.
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»