لا يتطلب الأمر كرة بلورية لتوقع أن 2020 في الشرق الأوسط ستكون سنة صاخبة تمور بالاضطرابات. فالحرب الأهلية الليبية نحت منحى خطيراً، في وقت تنضم فيه قوات تركية إلى المشهد بينما تواصل قوات الجيش الوطني الليبي الزحف نحو العاصمة. واليمن ما زال مدمَّرا، على الرغم من الجهود الأخيرة لخفض تصعيد النزاع. والحرب الأهلية السورية مستمرة في التمدد على نحو خطير، مع ظهور موجة جديدة ضخمة من اللاجئين الفارين من أعمال العنف في إدلب. والاحتجاجات الشعبية واسعة النطاق تتحدى الحكومة العراقية، التي تستعد لتداعيات المواجهة المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران. وإسرائيل والسلطة الفلسطينية يمكن أن يغيرا بشكل جذري علاقتهما، في وقت تتلاشى فيه احتمالات حل الدولتين. والحركات الاحتجاجية عبر المنطقة يمكن أن تزعزع ستة أنظمة.
وفي ما يلي ثلاثة اتجاهات ينبغي مراقبتها في الشرق الأوسط خلال العام الجديد.
1. كل الحكومات متوترة بشأن انتخابات 2020 الأميركية.
عادة عندما تتغير الحكومة الأميركية، تظل السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط ثابتة ومنسجمة. ولكن ذلك لم يعد صحيحاً الآن. فإذا حل رئيس «ديمقراطي» محل دونالد ترامب في المكتب البيضاوي، ستتوقع الأنظمة الشرق أوسطية سياسات مختلفة جداً بخصوص مواضيع محورية مثل الاتفاق النووي مع إيران، والعلاقة الإسرائيلية- الفلسطينية، والعلاقات مع تركيا، والتحالفات في الخليج. أما إن بقي ترامب في الرئاسة، فإنه سيكون متحرراً من القيود، ومقتنعاً بنجاحه الانتخابي بأن حتى أكثر سياساته إثارة للجدل كانت على صواب.
وأمام هذه السيناريوهات المستقبلية الممكنة المختلفة، يمكن أن تختار الحكومات الشرق أوسطية إحدى مقاربتين. فهي لديها أسباب وجيهة لتتوخى الحذر، وتتواصل مع جانبي الانقسام الحزبي الأميركي قصد ضمان الاستمرارية في علاقاتها مع الولايات المتحدة. غير أن بعضها قد يرى انغلاق نافذة الفرص لأهداف عزيزة على قلبه – من قبيل خطوات قد تكون مزعزعة للاستقرار قد ترغب إدارة ترامب في تشجيعها، لأنها ترى امتيازات سياسية ممكنة. وهذا يعني أن ثمة خطراً عالياً على نحو غير عادي في أن تقوم إسرائيل بضم الضفة الغربية أو توجيه ضربة عسكرية كبيرة لـ«حزب الله» خلال الأحد عشر شهراً المقبلة.
ثانياً: السيطرة على النزاعات في الخليج تزداد صعوبة: يبدو أن إيران لا ترى أي فرص دبلوماسية أمامها، لذا شنت هي ووكلاؤها سلسلة من الهجمات التصعيدية على المصالح الأميركية. وبعد أن تحاشت الرد على حوادث سابقة مثل الهجمات المشتبه في أنها إيرانية على ناقلات النفط في خليج عمان، قصفت الولايات المتحدة أهدافاً تابعة لـ«كتائب حزب الله» في العراق. ولهذا، علينا أن نتوقع استمرار التصعيد عبر منطقة الخليج والعراق وسوريا وحتى لبنان مع استمرار هذه الديناميات، كما أن تعقيد الوضع، وعدد المخربين الممكنين، وحالة عدم اليقين التي خلقها الاضطراب في واشنطن.. كلها عوامل تزيد من خطر تصعيد غير مقصود.
والواقع أنه حتى من دون حرب، فإن العراق سيعاني كضحية جانبية لهذه المواجهة، في وقت بات فيه ممزقاً بين علاقاته الوثيقة مع كل من إيران والولايات المتحدة. واللافت هنا أن إدارة ترامب تخلت عن الإجماع الاستراتيجي الأميركي الذي يقول بضرورة دعم الحكومة العراقية التي خلقتها الولايات المتحدة إلى حد كبير – وركزت بدلاً من ذلك على مواجهة إيران وحلفائها بعزم وتصميم، رغم أن ذلك يعرّض حملة الائتلاف ضد تنظيم «داعش» للخطر. ومثلما كان متوقعاً، كانت الضربة الأميركية ضد مليشيا «الحشد الشعبي» وعناصر من «حزب الله العراقي»، وهما مدعومان من الخارج، مزعزعة للاستقرار، حيث هاجم محتجون السفارة الأميركية في بغداد، في وقت أصبح فيه الرأي الشعبي الذي كان مركزاً على الوجود الإيراني خلال الأسابيع الأخيرة مناهضاً للولايات المتحدة. وعليه، علينا ألا نتفاجأ إذا بدأ سياسيون عراقيون يطالبون بمغادرة القوات الأميركية للبلاد.
ثالثاً: الاحتجاجات ومزيد من الاحتجاجات
موجة الاحتجاجات التي اجتاحت الشرق الأوسط في 2019 ضاهت احتجاجات «الربيع العربي» في 2001 – بل كانت أكثر إثارة للانبهار منها من بعض النواحي. فالمحتجون تحدّوا الأنظمة في العراق ولبنان، وفرضوا التغيير السياسي في الجزائر، وأطاحوا بالنظام السوداني. والمزيد منها قادم. الأزمة الاقتصادية اللبنانية تتقاطع مع الاحتجاجات بطرق غير مسبوقة، بينما فتح الموتُ المفاجئ لأحمد قايد صالح الرجل القوي العسكري الجزائري وانتخابُ رئيس جديد، البابَ أمام إمكانية تغيير حقيقي. والانتقال الديمقراطي اللافت في السودان سيخضع لاختبار عسير. فالاستياء الشعبي كان يتراكم في هذه البلدان – وغيرها – على مدى سنوات، في ظل استياء واسع بسبب تفاقم البطالة، ونقص المواد الغذائية، وتردي الخدمات العامة أو غيابها، وفساد الحكومات وقمعها، وكلها عوامل تضخمت مع نفاد صبر جيل جديد. فكانت موجات الاحتجاجات الجديدة مسألة وقت فقط.
ولا شك أن نجاح السودان اللافت يمثّل بارقة أمل في إمكانية قطع الحركات الاحتجاجية مع الأنساق الأخيرة للفشل في 2020. فالمحتجون تعلموا من الإخفاقات السابقة، فأبدوا قدراً لافتاً من المرونة والإبداع والانضباط السياسي. غير أنه ينبغي الانتظار لرؤية ما إن كانت هذه الاحتجاجات السلمية المستمرة ستتحول إلى عنف، في وقت تتهرأ فيه ائتلافات المعارضة المنظمة بشكل فضفاض وتستخدم فيه الأنظمة التي عيل صبرها أساليب بوليسية أشد وأقسى.
ففي العراق ولبنان، لم تُبطئ الهجمات العنيفة للحكومتين على المحتجين تلك المظاهرات – ويمكن أن تتصاعد وتتطور من الضرب والاعتقال إلى القتل.
وعليه، ينبغي أن نتوقع أن تجلب هذه الاتجاهاتُ الثلاثة عدة أزمات خلال هذه السنة الانتخابية في الولايات المتحدة، مما سيؤثّر في شكل التحديات التي ستنتظر الإدارة الأميركية المقبلة.

مارك لينتش*
*أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية بجامعة جورج واشنطن الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»