إن الدول والشعوب التي تنشد التفوق والصدارة، وتسعى لبناء المجد والحضارة، لا بد لها من تقديم تضحيات جسام تتناسب مع أهمية القصد ونبل الغاية، وهذا هو قانون الحياة ومنطق التاريخ والحاضر والمستقبل.
وإن الشهداء هم قمّة التضحيات التي يقدمها الوطن لإثبات مكانته، وصون مكتسباته وبناء حضارته.
وإن دولة الإمارات العربية المتحدة التي تصل الحاضر المزهر المجيد بالماضي الأغر التليد، قد قدمت من أبنائها الأبرار وصفوة شبابها الأخيار، نموذجاً فريداً في التضحية والفداء حفاظاً على الوطن ومكتسباته، وذوداً عن حياضه وأمنه وسلامته.
وإن حدود الوطن وأمنه قد أصبحت في عالمنا المعاصر على غير ما كانت عليه من قبل، فقد اتسع المجال وأصبح الدفاع عن الوطن قد يكون في أمكان بعيدة عنه، وهذا من سمات وملامح الأمن في عصرنا، ومن غفل عنه أو تهاون فيه فقد قصّر أو فرَط في حق أهله ووطنه ولن يجني إلا الحسرة والندامة.
وإن أبناء هذا الوطن الأشاوس وهم مثال الشجاعة والإقدام يلبون نداء القيادة دون تردد أو إحجام في أي وقت وفي أي مكان، قد أصبحوا مضرب الأمثال في مواقفهم الإنسانية النبيلة حيثما حلّوا وقت السلم، وفي مواقفهم في الثبات والانتصار حيثما حلّوا وقت الحرب، يسترخصون دماءهم في سبيل الوطن والحفاظ على حرماته، إنهم النموذج العالمي المعاصر الذي أصبح مناط الفخر والرجولة لكل أبناء الوطن، ولكل عربي وحرّ شريف في العالم، لأنهم رضعوا من أمهاتهم، وتربوا على أيدي آبائهم ما ورثوه من قيم الشجاعة:
فلسنا على الأعقاب تدّمى كلومنا ولكن على أقدامنا تقطر الدما
أي أنهم لا يضربون من الخلف وهم هاربون، بل يواجهون العدو ثابتين لا يتزحزحون، ومن جرح فإنه يجرح من الأمام وليس من الخلف. ومن سقط منهم شهداء فقد عاهدوا ربهم وقائدهم وقيادتهم وأهلهم ووطنهم من قبل (فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر وما بدّلوا تبديلاً).
إنهم بدمائهم الزكية قد أشعلوا مصابيح المجد جيلاً، وأضاؤوا منارات الوطن العالية لتبقى شاهدة مدى التاريخ أمام الأجيال والأوطان بأن هذا الوطن شاده وبناه قيادةٌ وشعب ورثوا المجد جيلاً بعد جيل، وصان حماه أبناءٌ مخلصون قدموا أرواحهم في سبيل أمنه ورفعته، وإن هذه المنارات المضيئة من دماء شهدائنا الأبرار قبل أن تكون عالية على أسوار الوطن، هي في قلب كل غيور محب لهذا الوطن، وهو ينعم فيه بالأمن والأمان في الليل والنهار، يلهج هؤلاء المخلدون بذكرهم ويحيون مآثرهم وأعمالهم على الدوام.
وعرفاناً من القائد والقيادة، فقد نُقشت أسماؤهم في صفحات مجد الوطن في واحة العز والفخر «واحة الكرامة» برموزها المعبرة ومعانيها الدّالة، وموقعها المعنوي الرفيع عند القيادة وعند جميع أبناء الوطن، وهذا تعبير بليغ ينادي أن قيادة الوطن وأبناءه لن ينسوا هؤلاء الشهداء البررة، فذكراهم على الدوام متجددة حاضرة.
وإن سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، أيده الله، قد أعطى لهؤلاء الشهداء الكثير من قلبه الحنون، وفكره المبدع ووقته النفيس، وظهر ذلك بما قلّ نظيره في العالم، فقد جعل لهم رعاية خاصة حين أنشأ، أيده الله، في ديوانه قسماً خاصاً يتابع أسرهم، وآباءهم وأمهاتهم وأبناءهم وبناتهم في كل أحوالهم المادية والمعنوية، فهو معهم في كل مناسبة وكل أمر يهمهم.
إنه أيده الله الأب الرحيم لأبناء الشهداء، والحريص الأمين على أسرهم، وكم له من أيادٍ بيضاء في هذا، فأبناء الشهداء وأسرهم هم أبناء صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وأسرته، فلا يُضامون ولا يخافون أبداً.
وإنه، أيده الله، وهو يتابع هؤلاء الأبناء والبنات ويتفقد أحوالهم ودراستهم، قد صار قدوة عالمية ومنهجاً منيراً لكل مسؤول في هذا الوطن، بل ولكل مواطن ومواطنة.
إنها قيم نبيلة تأسس عليها هذا الوطن يُعليها صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان «حفظه الله»، فيزداد له الوطن حباً ووفاءً، وبهذا انتشر الأمن والاطمئنان والاستقرار، وترسخت روابط الولاء بين القائد وشعبه.
إن ذكرى الشهداء حاضرة على الدوام، وقد تصدَرت صفحات مجد الوطن مضيئة مشرقة، ولكنها تتألق كل عام عندما جعلت القيادة للشهيد يوماً تحيي فيه ذكراه وتنشر محاسنه ومآثره، وهل الإنسان إلا ذِكرٌ وذكرى؟! فالشهداء في الملأ الأعلى عند ربهم يذكرون، وفي الوطن يتألقون، لأنهم منارات لا ينقطع ضياؤها مدى الدهر، لأنها تضيء الوطن وتدل على مكانته.
وإننا في ذكرى شهدائنا الأبرار المتجددة، نحيي جنودنا الشجعان الذين هم سور الوطن وحصنه المنيع ضدَ كل عدوان، فلهم أجرهم لأنهم ساهرون على الحرمات والمقدسات، فنسأل الله أن يحفظهم ويسلَمهم كما حفظ خالد بن الوليد الذي ترك مقولة البطولة في سمع الزمان (لقد شهدت مائة زحفٍ أو زهاءها وما في جسدي شبر إلا وفيه طعنة برمح أو ضربة بسيف، وها أنا ذا أموت على فراشي فلا نامت أعين الجبناء)، فالجبناء لا يحفظون وطناً ولا يبنون مجداً.
رحم الله شهداءنا وأيَد قائدنا وقيادتنا وجنودنا وصان وطننا، وأدام الأمن والازدهار والأمان في ربوع دولتنا إنه سميع مجيب.
المستشار الدكتور فاروق محمود حمادة*
*المستشار الديني بديوان ولي عهد أبوظبي