ألقى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الجمعة الماضي، قنبلة بإعلان مكتبه أن فرنسا تعارض تصديق الاتحاد الأوروبي على أحدث صفقة تجارة كبيرة مع تجمع «ميركوسور» لدول أميركا الجنوبية، لأن البرازيل، عضو التجمع، لم تظهر التزاماً بالحفاظ على غابات الأمازون المطيرة.
والصفقة التي توصلت إليها المفوضية الأوروبية بعد 20 عاماً من المفاوضات مازالت بحاجة لموافقة جميع دول الاتحاد الأوروبي والبرلمان الأوروبي كذلك. والصفقة هي الأكبر من نوعها التي يبرمها التكتل فيما يتعلق بحجم الرسوم الملغاة، المقدرة بنحو 4 مليارات يورو سنوياً. وهي أول اتفاق تجاري كبير تبرمه ميركوسور منذ ظهورها عام 1991. والصفقة تنقل أيضاً رسالة سياسية للعالم الذي يتابع الحرب التجارية التي يخوضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب مع الصين، رسالة مفادها أن الاتحاد الأوروبي مازال قوة كبيرة تؤثر على التجارة الحرة. لكن ماكرون محق في اعتراضه، إذ يحتاج الاتفاق إلى تنقيح يضمن التصدي للتغير المناخي.
وثار غضب ماكرون من استهتار الرئيس البرازيلي خايير بولسونارو بغابات الأمازون المطيرة عقب تعرضها لحرائق تهدد بانحسار الغطاء النباتي بعد أن أصبحت حكومة بولسونارو والوكالات البيئية في البلاد أقل فعالية في حماية الأدغال من القطع الجائر. ولم يخف الزعيم البرازيلي (ينتمي لأقصى اليمين) إعطاءه الأولوية للزراعة على حماية الغابات. وهي سياسة دفعت ألمانيا إلى تعليق تمويل مشروعات للحفاظ على البيئة في البرازيل.
وهذا يجعل من ميركل حليفاً محتملا لماكرون في عرقلة صفقة ميركوسور. فحزب «الخضر» الذي يتزايد نفوذاً هو أقوى منافس لحزب «الاتحاد الديمقراطي المسيحي» الذي تنتمي إليه ميركل وقد يكون شريكاً في ائتلاف حاكم. ورغم تأييد ميركل لاتفاقات التجارة الحرة، فإن السعي الحالي لإقرار الاتفاق لن يكون في صالحها سياسياً على الأرجح. والصفقة لها خصوم محتملون آخرون أيضاً. فقد هدد رئيس الوزراء الأيرلندي ليو فارادكار بإلغائها بسبب توجه بولسونارو، وسيمنع دخول اللحوم البرازيلية الرخيصة السوقَ الأوروبية كي لا تهدد مصالح المزارعين الأيرلنديين.
وحتى لو دافع مسؤولون أوروبيون عن الصفقة بالقول إنها فَرضت على أميركا الجنوبية التزاماً بالتصدي لتغير المناخ وفقاً لاتفاق باريس عام 2016، فقد أظهرت بأن المزيد من الانفتاح التجاري يعزز معدلات انحسار الغطاء النباتي في البرازيل. ولذا من المناسب لماكرون وزعماء أوروبيين آخرين أن يعيدوا النظر في اتفاق التجارة مع ميركوسور رداً على سلوك بولسونارو، دون إلغاء الصفقة تماماً. بل يمكن تنقيحها حتى تظل مفيدة للأطراف المشاركة دون الإضرار بالأمازون.
وكانت وزارة الزراعة الأميركية قد أصدرت عام 2017 تقريراً عن التجارة الدولية وانحسار الغابات، بغية التعرف على المنتجات الأكثر إضراراً بالغابات في دول مختلفة. وذكر التقرير أن اللحوم وفول الصويا في البرازيل والأرجنتين يساهمان بأكبر قدر في انحسار الغابات. واستمرارية الصفقة تعتمد على المبادرات الخاصة لتقييد تأثير هذه المنتجات. ويشير فصل الاستدامة في الصفقة إلى تعليق زراعة الصويا مؤقتاً، وهو تعهد طوعي بألا تبيع البرازيل الصويا المستزرعة في أراض أزيل غطاء الغابات عنها حديثاً في الأمازون، إذ أدت تلك الممارسة إلى انحسار الغطاء النباتي في منطقة السافانا بالبرازيل، وهي منطقة لا يشملها تعليق زراعة الصويا. لكن في ظل حكومة بولسونارو لن يجري تفعيل هذه المبادرات على الأرجح.
ويجب أن تربط النسخة النهائية من الصفقة بين حصص البضائع التي تمثل خطراً على الغابات، مثل لحوم الأبقار وفول الصويا، وبين الحفاظ على الغابات بل وتوسيع رقعتها. كما يجب وضع آلية مراقبة يمكن الاعتماد عليها.
وفي وقت مبكر من الشهر الجاري، أقيل رئيس المعهد البرازيلي المعني برصد انحسار الغابات بعد أن وصف بولسونارو بيانات المعهد بأنها «أكاذيب». وصرح بولسونارو لصحفيين أوروبيين الشهر الماضي قائلا: «يتعين عليكم فهم أن الأمازون ملك للبرازيل وليست لكم». لكن على رئيس البرازيل أن يفهم أن السوق الأوروبية ملك للاتحاد الأوروبي، ومن حقه تنظيمها بالطريقة التي يراها ملائمة. وأنه لن يتمكن من زيادة مبيعاته لهذه السوق المربحة إلا بضمانات بيئية صارمة، حتى ولو تم إرجاء الصفقة لعدة عقود قادمة.

*كاتب روسي مقيم في ألمانيا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»