أظهرت دراسة كبرى، شملت 2.8 مليون شخص، وعرضت نتائجها الأسبوع الماضي ضمن فعاليات المؤتمر الأوروبي عن السمنة (European Congress on Obesity)، أن زيادة الوزن عن المعدلات الطبيعية تحمل في طياتها خطر الوفاة المبكرة بسبب الأمراض المرتبطة بالسمنة، ما يتوافق مع نتائج الدراسات السابقة التي تُظهر أن زيادة الوزن «تقصف» تسع سنوات من عمر الفرد، وثلاثة عشر عاماً كاملة في حالة السمنة المفرطة.
فعلى سبيل المثال، يتعرض الأشخاص ذوو مؤشر كتلة الجسد الواقع بين 30-35 لزيادة بمقدار 70 في المئة في نسبة الإصابة بهبوط أو فشل عضلة القلب. وحتى من يزيد وزنه بقدر بسيط عن المعدلات الطبيعية، تزداد احتمالات إصابته بالسكري من النوع الثاني بمقدار الضعف مقارنة بذوي الوزن الطبيعي، وإذا ما كان مؤشر كتلة الجسد يتراوح ما بين 35-40، فتزداد حينها احتمالات الإصابة بالسكري بمقدار تسعة أضعاف، وبانقطاع التنفس أثناء النوم بمقدار اثني عشر ضعفا. وفي الأشخاص المصابين بالسمنة المفرطة –مؤشر كتلة الجسد بين 40 إلى 45- فتزداد هذه الاحتمالات بمقدار 12 ضعف للسكري، و22 ضعف لانقطاع التنفس أثناء النوم.
ويتحمل الجهاز الدوري –القلب والشرايين- عبئا هائلا نتيجة السمنة، حيث تتضاعف ثلاث مرات احتمالات الإصابة بهبوط وفشل عضلة القلب، وبارتفاع ضغط الدم، واضطرابات دهون الدم، مثل الكولستيرول والدهون الثلاثية. وفي الإجمالي يتعرض المصابون بالسمنة المفرطة للوفاة المبكرة، بنسب ليست قليلة، وفي ظل حقيقة أن معدلات الإصابة بالسمنة من المنظور العالمي قد تضاعفت عدة مرات خلال العقود الثلاثة الأخيرة، من 105 ملايين عام 1975 إلى 650 مليوناً عام 2016، سيكون لهذه التبعات وقع كبير على الصحة العامة للأفراد والمجتمعات، وستتسبب في إيجاد عبء مرضي هائل ترزح تحت نيره نظم الرعاية الصحية الوطنية.
كما تتنوع وتتعدد أنواع الأمراض السرطانية المرتبطة بالسمنة وزيادة الوزن، حيث يبلغ عددها حالياً 13 نوعاً مختلفاً. وحتى الآن، ليس من الواضح أو المفهوم بشكل كامل، طبيعة هذه العلاقة أو ميكانيزمات جوانبها المختلفة، وإنْ كان العلماء يفسرون هذه العلاقة على أنها ربما تكون نتيجة إرسال الخلايا الدهنية لإشارات كيميائية وهرمونية إلى بقية خلايا الجسم، تؤدي إلى تلف هذه الخلايا وتحولها إلى خلايا سرطانية.

وضمن الفعالية نفسها (المؤتمر الأوروبي عن السمنة)، بمدينة جلاسجو باسكتلندا، التي انتهت أمس الأربعاء، تم عرض نتائج دراسة كبرى أخرى أجراها علماء جامعة ليفربول، وظهر من خلالها أن السمنة في الأطفال والصحة النفسية يرتبطان ارتباطاً وثيقاً، وهو ارتباط يزداد قوةً بمرور الوقت، حيث يتعرض الأطفال المصابون بالسمنة، بدايةً من سن السابعة وحتى بلوغهم سن الحادية عشرة، للاضطرابات والمشاكل النفسية، مثل القلق ومظاهر الاكتئاب البسيط. وتتضح هذه العلاقة، وتتعاظم وتستمر تلك الاضطرابات النفسية بشكل أكبر بين الفتيات، واللواتي غالبا ما يتمتعن بمؤشر كتلة جسد أعلى من الفتيان. وهو ما يتوافق مع المعرفة السابقة والمؤكدة بتداخل وترابط السمنة بالاضطرابات النفسية لدى البالغين، حيث كثيرا ما تكون زيادة الوزن السمنة سبباً رئيساً للاضطرابات النفسية، أو أن تكون السمنة هي نتاج إصابة الشخص أساساً بمشكلات نفسية وعاطفية. وما تظهره الدراسات الحديثة، أن هذه العلاقة ربما تبدأ في سنوات الطفولة الأولى، وخصوصاً من سن السابعة، ليغذي ويتغذى كل منهما على الآخر.
ومؤخراً تزايد الإدراك بأن السمنة في الطفولة هي نتيجة خطأ الأبوين وليست ذنب الطفل، وذلك من خلال عدة ممارسات سلبية، كالإصرار على تغذية الطفل بشكل مستمر - قسراً أحياناً- لضمان أنه يتمتع بصحة جيدة، أو كنتيجة لعدم بذل الأبوين الجهد اللازم لجعل الخضراوات والفواكه جزءاً رئيساً من طعام الأطفال اليومي. أو عبر الاستسلام لرغبات الطفل في الحصول على الأطعمة المحتوية على كميات كبيرة من السكريات، مثل الحلويات والمياه الغازية، بدعوى أنك لا تستطيع حرمانهم منها، أو أنك لن تتمكن من منعهم من تناولها، أو من خلال تجاهل احتياجات الطفل في اللعب خارج المنزل في الحدائق والأماكن المفتوحة وممارسة الرياضات البدنية، واستعاضة الأهل عن هذه النشاطات بالتلفزيون، كحل سهل وسريع لشغل وقت الطفل. في جميع هذه الحالات، لا يمكن أن نلقي بالمسؤولية على الطفل، بل تقع المسؤولية هنا على عاتق الأسرة، إلى درجة أن بعض أفراد المجتمع الطبي أصبحوا مؤخراً يطالبون بمعاملة سمنة الأطفال، كنوع من الإهمال الجسيم، وضمن مفهوم إساءة رعاية الأطفال.
* كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية