منذ سنوات، وبعض أعضاء الأمم المتحدة يطالبون بضرورة إصلاح أجهزة هذه المنظمة الدولية التي أصابها الجمود والترهل، خاصة أن ظروف نشأتها قبل أكثر من سبعة عقود، تغيرت عن متطلبات مستقبلها السياسي ودورها العالمي.
فلم يعد أمراً محتملاً، أن تبقى 193 دولة رهينة بيد خمس دول، وإنْ كانت عظمى، إلا أنها فقدت مع مرور تلك السنوات معاني عظمتها وحقيقة أثرها على العالم كافة. هل من العدل والإنصاف بمكان، أن يكون استخدام حق «الفيتو» لخمسة أعضاء، فلو اتفق أربعة منهم على أمر جامع، أبطلت وأفسدت أميركا ذلك كله في النقض غير البناء، وبالأخص في كل ما يتعلق بإسرائيل.
حرب غزة حاضرة وشاهدة أمام الأعيان، فكل القرارات جارت على فلسطين، كي لا تصبح دولة فحسب، وإنْ كانت أميركا تدعو إلى ضرورة حل الدولتين، لأنه السبيل الوحيد لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، وهو أمر قد مل العالم من سماعه. 
وعن فلسطين، ونقلاً عن مسؤول أميركي، فإن واشنطن صوتت ضد طلب فلسطين نيل عضوية كاملة بالأمم المتحدة. من يرفض هذه العضوية، كيف له أن يطالب بحل الدولتين؟! 
ماذا تريد أميركا بالضبط حيال هذا الإجراء لما قبل الوصول للحل النهائي للقضية الفلسطينية كحق مشروع مقابل إحلال السلام المنشود في المنطقة ككل، بل العالم بأكمله؟!
من هذا المنطلق، الرئيس الفلسطيني رفض طلباً أميركياً للتراجع عن التصويت لعضوية فلسطين الدائمة بالأمم المتحدة، رغم أن الفلسطينيين يحظون بدعم 8 أعضاء في مجلس الأمن، بينهم روسيا والصين والجزائر، وينقصهم صوت واحد.
بالمقابل أميركا وإسرائيل ضغطتا على فرنسا وسويسرا واليابان وكوريا الجنوبية والإكوادور للتصويت ضد القرار، أو الامتناع عن التصويت.
هذا وقد أعربت الإمارات عن أسفها لفشل اعتماد مشروع عضوية فلسطين في الأمم المتحدة، وأكدت أن منح فلسطين العضوية الكاملة خطوة مهمة لتعزيز جهود السلام في المنطقة.
«الفيتو» الأميركي، أصبح بذلك عاملاً مقوضاً للسلم العالمي، ولم يعد له فضل الرعاية للسلام الذي تتغنى به أميركا كلما تفاقمت الأوضاع الأمنية والسياسية سوءاً.
ترى كم فقدت أميركا بذلك من قواها الناعمة ومصداقيتها أمام العالم الذي كان يوماً ما يتفاخر ويتباهى بها أمام الملأ، كنموذج حضاري يحتذى به، مقارنة بكثير من الدول التي تفتقر لتلك القيم الراقية؟! 
إن حق «الفيتو» للدول الخمس الكبرى لا يعني سوى انهيار الحق والديمقراطية، وهي سلطة غير شرعية تفعل بالعالم ما تريد، وليس أدل على ذلك من اندلاع أكثر من مائة حرب في العالم، ومن أزمنة المشاكل التي تستعصي على الحل، ومن قتل المدنيين الأبرياء، من أطفال ونساء وشيوخ، ومن استعمال الأسلحة الفتاكة الممنوعة بحكم القانون الدولي، ومن انتشار ظاهرة الإرهاب والإجرام في كل الأنحاء. 
يؤكد هذا كله بأن النظام العالمي يفتقر إلى الانصاف والعدل والرحمة، وأن معزوفة حقوق الإنسان تُكذّبها المقابر الجماعية للضحايا الذين لم يرتكبوا إثماً، وملايين الأنفس التي تفيض أرواحها، وهي تبحث عن الطعام والماء. 
إن العالم يمر بمرحلة مفصلية، لم يعد للقيم قيمة، وللإنسان وزنٌ في المعادلات الدولية الراهنة، والحقوق تحولت إلى عقوق، والمبادئ غدت مطارق فوق رؤوس الخلائق.
*كاتب إماراتي