تمثل الدائرة الخليجية واحدة من أهم دوائر اهتمام السياسة الخارجية لدولة الإمارات، ويعد تطوير التعاون في البيت الخليجي، وتحفيز العلاقات البينية، وتدعيم أواصر العلاقات، وتنويع مجالات الشراكات من الأولويات الرئيسة في فكر القيادة الرشيدة ورؤيتها، خاصة مع عمق التحولات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والتطورات التي تشهدها، سواء على الصعد المحلية أو في معادلات الأمن الإقليمي، وكذلك على مستوى الشراكات الاستراتيجية الدولية.
وفي هذا الإطار، تأتي أهمية استقبال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق سلطان عُمان الشقيقة يوم الاثنين 22 أبريل 2024، في ظل إدراك متبادل لعمق علاقاتهما، ودور هذه العلاقات في تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتعزيز الرخاء والازدهار في الدولتين.
وظهر هذا الإدراك جليّاً في تصريحات القائدين، حيث وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان علاقات البلدين قائلاً: إنها «علاقات بين أشقاء تجمعهم أعمق أواصر القربى والجوار والمصير المشترك، ونحن حريصون على استثمار كل الفرص المتاحة لتطويرها، ودفعها إلى الأمام، بما يخدم أهدافنا التنموية، ويعزز قاعدة مصالحنا المشتركة. وإن شاء الله تكون هذه الزيارة منطلقاً لمرحلة أكثر ازدهاراً وحيوية في مسار هذه العلاقات». وفي السياق ذاته، قال صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق: إن «ما يربط عُمان ودولة الإمارات من أواصر حسن الجوار والتاريخ المشترك ليدعو إلى الارتياح والرضا لعمق الوشائج ومتانة التعاضد بين أبناء الشعبين الشقيقين.. وندعو الجهات المعنية الرسمية والشعبية كافة في البلدين إلى صونه وإعلائه والعمل عليه، تحقيقاً لمقاصدنا المنشودة والمشتركة».
وكان لافتاً الاحتفاء الشعبي بالزيارة في دولة الإمارات، وهو ما تجلى في وسم «الإمارات ترحب بسلطان عمان» الذي احتل الصدارة في وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أكدت المشاركات الكثيفة فيه الإدراك المجتمعي لعمق الروابط البينية بين الدولتين، وأهمية التنسيق المشترك لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية، والتطلع إلى توظيف روابط الأخوّة والجوار في التطوير المستدام للعلاقات الثنائية.
وتعكس الزيارة كذلك الأولوية التي يحتلها الملف الاقتصادي لدى الدولتين الشقيقتين، حيث شهدت توقيع مذكرات تفاهم بينهما في مجالات الاستثمار والطاقة المتجددة والاستدامة، إضافة إلى السكك الحديدية والتكنولوجيا والتعليم. وهو تتويج لمسار متواصل أوضحه سفير سلطنة عُمان المعتمد لدى دولة الإمارات، الدكتور السيد أحمد بن هلال البوسعيدي، قبل توقيع المذكرات الأخيرة، بقوله: «إن الزيارات المتبادلة لقيادتي البلدين تُوّجت خلال الفترة الماضية بالتوقيع على 16 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات الأنظمة المالية والتأمين والصناعات التحويلية، والأنشطة العقارية والمهنية والتقنية وتجارة الجملة والتجزئة والمعلومات والاتصالات، فيما تشمل قائمة أهم القطاعات الاستثمارية الإماراتية في سلطنة عُمان القطاعات الصناعية والمالية والمصرفية والسياحية وتوليد الطاقة والأنشطة العقارية وتجارة التجزئة والإنشاءات».
ويظهر ذلك أيضاً في وصول إجمالي التجارة بين الدولتين إلى أعلى مستوى في عام 2023، مسجلاً 49.76 مليار درهم، مشتملاً على إعادة تصدير بقيمة 18.79 مليار درهم و19.841 مليار درهم صادرات غير نفطية و11.12 مليار درهم واردات، وبذلك يكون حجم التبادل التجاري بين البلدين قد زاد على 408 مليارات درهم منذ عام 2014 وحتى العام الماضي، بنمو نسبته 70.12%.
إن هذه الزيارة تبرهن على ترجمة الروابط التاريخية والعلاقات الاجتماعية إلى عمل مثمر على المستويات السياسية والاجتماعية، بما يلبي الطموحات الشعبية المستندة إلى علاقات الأخوّة والنسيج الواحد، وهي العلاقات التي أوضحت صحيفة «الوطن» العمانية طبيعتها الخاصة، في افتتاحيتها أمس، بقولها، إنه من الصعب طرح «فكرة الجانبين عندما يتعلق الأمر بعُمان والإمارات، إنه في الحقيقة جانب واحد، ومصير واحد يربط الشعبين الشقيقين المتماسكين بحكم التاريخ ومكونات اللحظة الراهنة، وكذلك بحكم المكونات الاجتماعية المتجانسة إلى درجة التماهي».

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية