أدرك الغرب مبكراً أهميةَ الاقتصاد كأداةٍ للسيطرة، فاستخدم القروضَ كوسيلةٍ لإخضاع الدول النامية، فأصبحت الديون الخارجية من أبرز التحديات التي تواجه الدول عندما تسقط في فخ القروض، حيث تدخل في مرحلة تتأثر خلالها اقتصاداتها واستقرارها وتصبح عاجزة عن سداد ديونها، وذلك ما يؤدي إلى تراكم المزيد من الديون وتفاقم الأزمات الاقتصادية، والدخول في حلقة مفرغة يصبح من الصعب معها على الدول المقترضة تحقيق المستوى المطلوب من النمو الاقتصادي وتحسين مستوى معيشة مواطنيها. والأمثلة على الدول التي أسقطتها الديون عديدة سواء في الماضي أو الحاضر، فهناك المملكة الإسبانية التي ورثت دولة الأندلس وامتد نفوذها إلى أميركا الجنوبية والشمالية والهند. لكنها سقطت في فخ الاقتراض حتى تراكمت ديونها بشكل كبير، وانهارت في النهاية وأصبحت عاجزة عن سداد التزاماتها.

ومن الأمثلة الحديثة زامبيا التي قررت معالجة مشكلاتها الاقتصادية في عام 2002 بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، فكانت النتيجة سلبية، حيث واجهت إشكاليات في ميزان المدفوعات وتعثرت في سداد ديونها. لذا فإن الاستدانة مصيدة للدول، وسيبقى مثال مملكة إسبانيا، التي أصبحت قوة عظمى عقب استكشاف واستعمار أميركا الجنوبية والشمالية، من أبرز الأمثلة على الدول التي وجدت نفسَها مثقلةً بالديون وأدى العبء المالي إلى عجزها وسقوطها. وهذا السيناريو ليس جديداً، فالكثير من الدول التي استدانت من صندوق النقد الدولي وجدت نفسَها تواجه أزمات اقتصادية، وتعالج القروض القديمة بقروض أخرى جديدة، مما يخلق دوامة من الديون يصعب الخروج منها.

ومنذ تأسيس البنك وصندوق النقد الدوليين وهاتان المؤسستان، رغم طابعهما الدولي المفترض، إلا أنهما تخضعان لسيطرة أميركا وأوروبا بشكل كبير، وعبرهما تواصل الولايات المتحدة فرضَ نفوذها الاقتصادي والسياسي. ورغم إدراك الكثير من الدول النامية لمخاطر الديون الخارجية، فإنها تستمر في السير على نفس الدرب نحو مصيدة الديون، خصوصاً مع الإغراء بقروض منخفضة الفوائد، وهي الخيار الجاذب، لكن الشروط المرتبطة بهذه القروض غالباً ما تفرض في النهاية أو تشترط تغييرات جذرية على السياسات الاقتصادية للدول المقترضة، مما يضعف مواقفها وخياراتها الاقتصادية المناسبة لاحتياجات مجتمعاتها.

وهكذا أصبح من الواضح أن البنك وصندوق النقد الدوليين لا يعملان فقط كمؤسستين للإقراض، بل كأداتين لتعزيز نفوذ القوى الكبرى على الاقتصادات النامية.. ومن خلال تقديم قروض مشروطة، تستطيع المؤسستان التأثير على سياسات الدول المقترضة، مما يؤدي غالباً إلى التأثير على قراراتها السياسية.وما لم يبحثه العالم بجدية هو إيجاد آلية عادلة لدعم الدول النامية والاستفادة من التجارب السابقة، لأن الدول الأقل دخلا بحاجة إلى تقييم شامل لتجاربها التي سبق أن أوقعتها في فخ الديون، وأصبح تجنب تكرار الأخطاء نفسها ضرورةً لا بد منها، عبر مراجعة وتحليل تأثير الاستدانة على النمو والسعي إلى بناء استراتيجيات أكثر استدامة للتنمية، وتحويل مفهوم الاستدامة من الخطاب إلى ممارسات محلية تنتهجها الدول النامية لتطور مواردها وناتجها المحلي.

وتحتاج الدول التي تجد نفسَها في قبضة الديون إلى اتخاذ عدة خطوات للتخفيف من عبء الاقتراض، مثل إعادة التفاوض على شروط ديونها، والبحث عن مصادر تمويل بديلة، وتعزيز الإدارة المالية الداخلية، والحوكمة، ومحاربة الفساد.. لتحسين الكفاءة الاقتصادية. وهذا إلى جانب ما ينبغي أن يوفره التعاون الإقليمي والدولي من دعم غير مشروط. لكن مؤسسات الإقراض الدولية تعرف حتى الآن أن الاعتماد المفرط من قبل بعض الدول النامية على الديون الخارجية لن يتوقف فجأة، لذا تستمر في إغراء دول جديدة لم تستوعب الدرس وترى في الاستدانة أقصر الطرق لحل مشكلاتها الاقتصادية، دون النظر إلى ضريبة السقوط في الفخ الذي سقطت فيه دول أخرى سبقتها.

*كاتب إماراتي