في الثالث عشر من أبريل الجاري، أطلقت إيران أكثر من 300 طائرة مسيّرة وصاروخ كروز وصاروخ باليستي على إسرائيل، وذلك رداً على هجوم إسرائيلي دقيق في الأول من أبريل استهدف مبنى القنصلية الإيرانية في العاصمة السورية دمشق وأسفر عن مقتل عدد من ضباط المخابرات والجيش رفيعي المستوى. جميع الأسلحة الإيرانية القادمة تقريباً جرى تدميرها بفضل الجهود المشتركة للقوات الإسرائيلية والأميركية والبريطانية والفرنسية.
وعلى الرغم من فشل إيران في إلحاق أضرار بالأهداف العسكرية والمدنية الإسرائيلية، إلا أن إسرائيل مصممة على الرد، لكن عدداً من الدول تحثها على عدم التسبب في خسائر كبيرة في الأرواح في صفوف القوات الإيرانية. وبغض النظر عما سيحدث في الأيام القادمة، فإن الأزمة بلغت مستوى جديداً من الخطورة على المنطقة برمتها.
ذلك أن هناك عدداً كبيراً من الأصول ذات القيمة العالية في كل بلدان المنطقة، والتي يمكن أن تتعرض للتدمير أو تلحق بها أضرار شديدة في حال التصعيد. ولعله من المفيد هنا إلقاء نظرة على قائمة الأهداف هذه لأنها تُظهر مدى ارتفاع المخاطر في حال لم يتم التوصل إلى تسوية سلمية للنزاع. فالطاقة والمياه والسياحة والنقل والمواصلات والممرات البحرية... جميعها أهداف مهمة للحرب الإلكترونية والحركية.
إنتاج الطاقة وتوزيعها يمثّل الجزء الأهم من ثروة المنطقة. ويتطلب استخراج النفط والغاز الطبيعي وتجميعه ومعالجته وتوزيعه ونقله تكنولوجيا جد متطورة ومكلفة من أجل الاشتغال وتوصيل المنتجات إلى الأسواق حول العالم. لكن كل مرحلة من هذه العملية المعقدة معرضة لأعمال سيبرانية وعسكرية معادية. وأي ضرر خطير يلحق بهذا النظام يمكن أن يؤدي إلى اضطراب في الإمدادات أو انقطاعها وزيادات ذات تداعيات عالمية في أسعار الطاقة على المدى القصير. 
والمهم بالقدر نفسه هو الطلب المتزايد في الشرق الأوسط على إمدادات المياه العذبة والذي يعزى جزئياً إلى النمو السكاني والسياحة. وبالنظر إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا هي أكثر مناطق العالم من حيث ندرة المياه، فإن بعض البلدان تعتمد بشكل متزايد على محطات تحلية المياه التي تُعد جد مكلفة ومعرضة للخطر. وبدورها تُعد مرافق تخزين المياه مهمة ومعرضة للخطر، وعلى الرغم من ارتفاع طاقتها الاستيعابية، فإنها ما زالت غير قادرة على تأمين إمدادات تكفي لأكثر من بضعة أسابيع أو أشهر في حال انقطاع الإمدادات الجديدة. وهذه مشكلة يفاقمها الاحتباس الحراري العالمي بسبب زيادة ظروف الجفاف عبر المنطقة.
وإذا كانت السياحة لطالما مثّلت عاملاً مهماً في الازدهار الاقتصادي في مصر، فإن إسرائيل أيضاً وباقي بلدان المنطقة شهدت في العقود الثلاثة أو الأربعة الأخيرة طفرةً في مجال السياحة، ساهم فيها جزئياً التوسعُ الهائل في حركة الطيران من وإلى المنطقة، إذ باتت مطارات بعض دول الشرق الأوسط ذات جودة عالمية من حيث تطور الخدمات والبنية التحتية، مما يعكس أهمية السياحة كعامل من عوامل النمو الاقتصادي.
بيد أن الأكثر وضوحاً ربما هو أهمية مضيقي هرمز وباب المندب كممرين بحريين، بالإضافة إلى قناة السويس أيضاً. فهذه الممرات المائية الحيوية تمثّل 20 في المئة من حركة مرور النفط في العالم و30 في المئة من حركة سفن الحاويات العالمية. والانقطاعات الخطيرة في حركة المرور هذه تؤثّر تأثيراً فورياً على أسعار التأمين وبالتالي على أسعار المنتجات. ولئن كانت جهود المتمردين الحوثيين في اليمن للتدخل في حركة الشحن في البحر الأحمر صغيرة ومحدودة من حيث الأضرار الفعلية التي تحدثها، فإنها تبعث برسالة خطيرة تنذر بما هو أسوء في حال اندلاع حرب كبيرة.
والواقع أن هذه التهديدات ليست جديدة. فقد بُذلت جهود كبيرة على مر السنين لتأمين المنطقة وحمايتها من الهجمات المعادية، غير أنه مع تحسن فعالية الأنظمة الفتاكة، السيبرانية والحركية على حد سواء، وتزايد عدد الدول واللاعبين من غير الدول القادرين على الوصول إليها، تتضاعف المخاطر وتصبح تكاليف الصراع مخيفة جداً.

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز «ناشيونال إنترست»- واشنطن