يعكس موقف دولة الإمارات من المواجهة الإيرانية الإسرائيلية الحالية نهجاً متعدد الغايات يهدف إلى تجنيب المنطقة خطر الانجرار إلى مستويات خطيرة من الفوضى وعدم الاستقرار، ويمكن القول إن هذا النهج، الذي يجسد رؤية استراتيجية شاملة وعميقة، يتضمن عدة محاور رئيسية، وذلك على النحو الآتي:
الأول: الحفاظ على أمن واستقرار الدول العربية الشقيقة المجاورة لطرفي الصراع وعدم السماح بتحويلها إلى ساحة لتسوية وتصفية النزاعات، خاصة بعدما اضطرت تلك الدول لإغلاق مجالها الجوي، كما حدث مع الأردن والعراق، حيث كانا عرضة لمخاطر سقوط المسيرات والصواريخ الإيرانية على أراضيهما وبالتالي تعريض سلامة مواطنيهما للخطر. ومن هنا جاء اتصال صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، بالعاهل البحريني الملك حمد بن عيسى آل خليفة، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين، وقد أكد سموه خلال هذه الاتصالات على ضرورة العمل من أجل مَنع تفاقم الصراع في المنطقة وضرورة تجنيبها تبعات وقوع أزمات جديدة.
الثاني: درء المخاطر الاقتصادية، إذ تدرك دولة الإمارات أن انتقال المواجهة بين إيران وإسرائيل إلى مستويات أعلى من التصعيد والاستهداف المباشر قد يكون له تأثير شديد على الوضع الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط والاقتصاد العالمي الذي بدأ أخيراً بالتعافي، كما تدرك انعكاسات تلك التطورات على حركة التجارة العالمية واقتصاد العالم بشكل عام، خاصة أن تصاعد هذه الاضطرابات يأتي تزامناً مع تطورات جيوسياسية مختلفة يشهدها العالم، بما في ذلك الحرب في أوكرانيا الممتدة منذ أكثر من عامين. ومما لا شك فيه أن سياسة الإمارات للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي في المنطقة تتوافق كذلك مع تحذيرات منظمة التجارة العالمية من مخاطر تعطل التجارة بسبب التوتر الجيوسياسي وتزايد الحمائية وتفاقم أزمة الشرق الأوسط، حيث أدت الهجمات على سفن تجارية في البحر الأحمر إلى تغيير في مسار التجارة بين أوروبا وآسيا.
الثالث: التمسك بالأدوات الدبلوماسية والالتزام بالقانون الدولي، إذ يمثل موقف دولة الإمارات وتحركاتها للحيلولة دون تفاقم المواجهة الإيرانية الإسرائيلية، إيمانها الثابت بحل الخلافات من خلال آليات الحوار السلمي وعبر القنوات الدبلوماسية، والتمسك بسيادة القانون واحترام ميثاق الأمم المتحدة، ومطالبة مجلس الأمن بالاضطلاع بمسؤولياته. وينبثق هذا الالتزام من رؤية الإمارات القائمة على اعتبار الصراعات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط خطراً جسيماً يهدد الاستقرار الإقليمي الهش في هذه المنطقة التي لا تنقصها أسباب عدم الاستقرار، وقد يتدحرج لمستويات وأبعاد مختلفة اقتصادية وسياسية ومجتمعية.
الرابع: تفكيك الوضع المتشابك والمعقد للمشهد الإقليمي، حيث تبذل دولة الإمارات الكثير من الجهود الدبلوماسية المكثفة لإيقاف الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة باعتبارها أحد أسباب الاضطرابات الحالية في المنطقة، وقطع الطريق على أي طرف يريد إطالة أمد هذه الحرب أو توظيفها لتحقيق مكاسب سياسية خاصة على حساب الشعب الفلسطيني في القطاع الذي يعاني ظروفاً إنسانية صعبة بسبب استمرار هذه الحرب. لذا تؤمن دولة الإمارات بأن إيجاد حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية سيسمح بنزع فتيل التوترات الأمنية والعسكرية في المنطقة ويفتح الباب لإعادة بناء العلاقات بين الدول العربية وجيرانها على أساس من السلام واحترام سيادة الدول، ويطلق آفاقاً رحبة للازدهار والنمو الاقتصادي.
وغني عن البيان أن هذا النهج متعدد الأبعاد الذي تتبناه دولة الإمارات لإعادة الاستقرار المفقود إلى منطقة الشرق الأوسط، يتطلب دعماً دولياً من المؤسسات والمنظمات الدولية وتفهماً وتعاوناً إقليمياً، لتجنيب المنطقة مخاطر النزاعات والصدامات المسلحة، ومن ثم الدفع في سبيل بناء بيئة جيوسياسية ترتكز على السلام والاستقرار والازدهار.

*صادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية